مصر كانت تحتل مكانة متقدمة بين دول الشرق الأوسط وإفريقيا المستقبلة لرأس المال الأجنبي المباشر. فعلي سبيل المثال في العام المالي2008/2007 تحصلت مصر علي ما يقرب من13 مليار دولار كاستثمار أجنبي, أما في العام الماضي2012/2011 فقد تدهور الرقم إلي ما يقرب من2 مليار دولار فقط. حسب تقرير الاستثمار الأجنبي المباشر لعام2012 الصادر عن الفانيانشيال تايمز فإن دولة الإمارات العربية المتحدة تأتي في مقدمة دول الشرق الأوسط وإفريقيا المستقبلة لرأس المال الأجنبي المباشر بعدد328 مشروعا علي وجه الترتيب. أما نصيب مصر من إجمالي1530 مشروع في العام الماضي حسب هذا الترتيب هو44 مشروعا فقط. ومن ثم فإن تركيز الحكومة الحالية علي تشجيع وجذب الاستثمارات الأجنبية وكمية الزيارات الخارجية المكثفة التي يقوم بها أعضاء الحكومة ورئيس الجمهورية لهذا الغرض أمر هام ومفهوم. ومما يزيد الأمر أهمية أنه في ضوء فجوة الادخار المحلي, أي عجز المدخرات المحلية عن تمويل الاستثمارات المطلوبة لتحقيق معدل النمو المستهدف435%, تعول الحكومة علي القطاع الخاص والاستثمارات الأجنبية المباشرة بالإضافة إلي القروض والإعانات في تمويل ما يقرب من60% من إجمالي الاستثمارات المستهدفة في خطتها. لكن الهرولة نحو جذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة لا يجب أن يكون من أجل كميتها علي حساب نوعيتها. أخشي ما أخشاه ألا تولي الحكومة الاهتمام الكافي لنوعية هذه الاستثمارات ومن ثم تأتي الاستثمارات التي تهدف إلي الربح السريع والاستفادة من تشوه هيكل الأسعار في المقام الأول والتي في الحقيقة تكون بمثابة الديدان الشريطية التي تضعف الجسم الاقتصادي بدلا من أن تقويه. والحديث هنا ليس رفاهية أو غير ذي جدوي لأن النظر تحت الأقدام خاصة في هذه المرحلة الصعبة يكون له أثر وخيم علي المستقبل ومن أساسيات التخطيط للمستقبل أن نربط الحاجات الآنية بحاجتنا المستقبلية. ومن ثم فإنه من الأفضل والمرغوب أن نعطي لمسألة نوعية الاستثمارات الأجنبية الاهتمام الكافي والمستحق. هذا وتجربة مصر ودول الربيع العربي مع مثل هذه الاستثمارات ليست كلها إيجابية. وعلي سبيل المثال60% من الاستثمارات الأجنبية المباشرة في مصر تذهب إلي قطاعات البترول والطاقة وهذه القطاعات معروفة بأنها ليست كثيفة العمالة. بمعني أصح أنها لا تخلق وظائف ومن ثم لا تساهم كثيرا في حل مشكلة البطالة التي وصلت إلي12% تقريبا هذا العام والتي كانت السبب الأساسي في قيام ثورة25 يناير بل ومعظم ثورات الربيع العربي. من ثم فيجب علي الحكومة أثناء سعيها لجذب الاستثمارات الأجنبية وبكل الصور والوسائل أن تهتم بالكيف أكثر من الكم. وهذا يعني أن تهتم الحكومة. أولا: بتنويع هذه الاستثمارات بين القطاعات الاقتصادية المختلفة. حتي تضمن الحكومة ألا يتم تركيز الاستثمارات الأجنبية في قطاع بعينه وأن تحدث التنمية المتوازنة. وثانيا: أن تعطي أفضلية للاستثمارات الأجنبية التي يكون مكون الأجور فيها عاليا بالنسبة للتكلفة الكلية. وذلك حتي يتم تعظيم فرص العمل المحتملة كما يمكن أن يساهم ذلك في التوزيع العادل للدخول. وثالثا: أن تقوم بالاهتمام بالاستثمارات التي تساعد علي الحد من الواردات( إنتاج بدائل للواردات). ويساعد هذا علي تخفيض الطلب علي العمل الأجنبية وتحسين سعر صرف الجنيه المصري. ورابعا: أن تعطي أهمية للمشروعات متوسطة أو طويلة الأجل بدلا من قصيرة الأجل. ذلك لضمان جدية المستثمر الأجنبي وضمان استقرار مناخ الاستثمار. وخامسا: أن تكون الاستثمارات في السلع الإنتاجية أو الرأسمالية علي رأس الأفضلية في قائمة المشروعات التي يمكن أن يساهم فيها الاستثمار الأجنبي المباشر. لما لهذه الاستثمارات من أثر ايجابي علي معدلات النمو والتي تساعد أيضا علي نقل التكنولوجيا وزيادة فرص العمل الحالية والمستقبلية. أستاذ الاقتصاد بجامعة ولاية أوهايو