نادر عدلي: اختارت المخرجة التسجيلية تهاني راشد عنوان جيران اسما لفيلمها الطويل الذي يمتد لمدة ساعتين إلا ربعا.. والفيلم عن جاردن سيتي. هذا الحي الارستقراطي أو الذي كان ارستقراطيا. كيف كان؟!.. وكيف أصبح؟!.. والجيران في الفيلم هي السفارة الأمريكية التي أصبحت أشبه بقلعة عسكرية في مدخل الحي, وذلك بعد أحداث11 سبتمبر. فكرة الفيلم نفسه جاءت للمخرجة بعد أن تلقت دعوة من السفير الأمريكي منذ عامين, والدعوة جاءت من السفير إلي بعض سكان الحي قبيل انتهاء مهمته في القاهرة, إنها اشبه بدعوة تعارف متأخرة وهي في الوقت نفسه اعتذار دبلوماسي لسكان الحي, من أن الدواعي الأمنية أصابت الشكل التقليدي والعادي للحياة لمن يسكنون حول السفارة.. وعموما فإن الحفل نفسه لا يأخذ من مساحة الفيلم سوي خمس دقائق. الدعوة للحفل كانت مدخل تهاني راشد لصناعة الفيلم, فهي من سكان الحي, أو كانت من سكانه قبل أن تهاجر إلي كندا, وتعمل هناك مخرحة تسجيلية لما يقرب من40 سنة.. ولكنها عادت للقاهرة قبل15 سنة, وقدمت فيلما طويلا ملفتا بعنوان أربعة نساء من مصر عن أربعة من المناضلات المصريات, ثم قدمت منذ3 سنوات فيلما آخر بعنوان البنات دول, وهو عمل مدهش عن بنات الشوارع في القاهرة, وقد اتهمت بأنها تسئ لمصر بسبب هذا الفيلم, ولكن ايجابية هذا الفيلم الحقيقية كانت في أن قضية أولاد الشوارع أصبحت مطروحة وتبحث عن حل في مجتمعنا, كما أن أهمية الفيلم جعلت كل الأفلام الروائية التي تناولت قضية أولاد الشوارع تأخذ من هذا العمل مصدرا لها!. نعود إلي جيران لنجد أن المخرحة تقدم بانوراما لتاريخ هذا الحي وسكانه والتغيرات والتبدلات التي أصابته, إنها نفس التغيرات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي حدثت في مصر, لقد كان حيا مغلقا للأثرياء والسياسيين عندما تمت إقامته أيام الملك فؤاد, وجري عليه ما حدث في مصر أيام عبدالناصر, ونالت منه أحداث التأميم, ثم تسلل إليه انفتاح عصر الرئيس السادات.. وبعد أن كان حيا للسكان الاثرياء, تسوده الآن البنوك والمصالح الحكومية والعامة, وبعض قصوره تحولت لمدارس. اعتمدت المخرجة في تقديم: كيف كان الحي؟!.. علي الأفلام الروائية القديمة, في الثلاثينيات وما اتيح منها, بل وقدمت بعض القصور التي استخدمتها السينما مكانا في أحداث أفلامها.. والملفت في هذا الأمر أن الأفلام والمسلسلات ظلت تعتمد علي الأفلام التسجيلية عندما تقدم أحداثا تاريخية, بينما هنا نجد العكس حيث الفيلم الروائي يصبح بحكم التاريخ مادة فيلمية تاريخية شديدة الأهمية. الجميل والممتع في هذا الفيلم أنه برغم زمنه الطويل لا يمتد الملل للمشاهد, فقد صنع بحرفية متميزة, أيضا أنه يعتمد علي عشرات الشهادات من أحفاد العصر الملكي, وأبناء الفترة الاشتراكية, ومن عاصروا الانفتاح.. والفيلم لايدين أي أحد, فقط يسجل شهادة الجميع علي70 سنة من تاريخ مصر, والفيلم يستحق أن يعرض تجاريا, ليراه الناس.. كما يطرح مشكلة عدد غير قليل من أصحاب المحلات والمهن الذين يعيشون في حي جاردن سيتي, وتوقفت أحوالهم بسبب الأوضاع الأمنية التي تحيط بالسفارة الأمريكية.. إنه فيلم مهم, كانت فكرته وتم صنعه بسبب دعوة من السفير الأمريكي قبل رحيله عن مصر عام.2008