تحمل القاضي محمد عبد السلام المستشار القانوني للأزهر وممثله في الجمعية التأسيسية للدستور مسئولية أمانة وضعها في عنقه الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب حتي أنهي مهمته في انجاز مشروع الدستور. لم تتسرب إلي وجدانه تلك المشاعر المريبة التي سيطرت علي قوي سياسية أخري فدفعتها للانسحاب من التأسيسية.. لم يتلمس أبعاد مخطط قيل إنه يحاك في الخفاء للانحراف بنصوص الدستور إلي مناطق خطرة. ظل يواصل مهامه ليس ممثلا عن الأزهر فحسب وإنما جاء يدافع عن حقوق المجتمع ويحول دون اختطاف الدستور لحساب فئة أو تيار سياسي. وبرغم ايمانه بأن نصوص الدستور فيما يقرب من09% تعكس متطلبات المجتمع وتصون حقوق أفراده.. فإنه وقف يتصدي لاقرار النص القاضي بعزل رموز الحزب الوطني المنحل.. كونه حكما بلا إدانة وإقصاء يكشف عن رغبة في الانتقام. في هذا الحوار يتحدث ممثل الأزهر في التأسيسية عن تفاصيل ستة أشهر كان خلالها شاهدا علي ما جري من صراعات سياسية. كان للأزهر مطالب محددة ترسي قواعد موضعه في الدستور؟ لم يكن للأزهر مطالب خاصة يسعي إلي تحقيقها وإنما أراد الحفاظ علي كيان عريق ضارب بجذوره في عمق الحياة بكل أبعادها وتوفير مظلة حماية له من أنواء السلطة ورغبتها الدفينة بفرض سيطرتها والدفع به في أمور غير مرغوب فيها. استقلال الأزهر ضرورة تفرضها مقتضيات الحضارة وقد أراد الإمام الاكبر الدكتور أحمد الطيب بناء واقع جديد لمنارة الاسلام ويعيدها الي سيرتها الأولي ويصلح ما أفسدته النظم السياسية السابقة ومحاولاتها المستمرة للعبث بكيان الأزهر.وقد طرحنا علي الجمعية التأسيسية النص علي إستقلال الأزهر ووجد المطلب صدي واسعا ولم يختلف التصور الذي أعددناه في هذا الشأن عما جاء واستقر عليه في مشروع الدستور. لكن هناك اعتراضات جاءت من أعضاء الجمعية وأخري بدرت من ممثلي الأزهر؟ جاءت في حدود مقبولة ولم تخرج عن اطار طريقة صياغة العبارات ووضع النص المقترح وما يترتب عليه من آثار لقد سعدت عندما وجدت أجماعا علي استقلال الأزهر وجعله حقيقة وواقعا وأتصور أن ذلك كان تابعا من الدور الوطني الذي اضطلع به الأزهر في جمع الفرقاء بعد ثورة يناير ومبادراته المتنوعة ووثائقه التي قربت بين القوي السياسية. ما الحقيقة فيما تردد بشأن رغبة كانت لدي الازهر للانسحاب من الجمعية التأسيسية؟ الأزهر جاء ممثلا في تلك الجمعية ويحمل ممثلوه في أعناقهم مسئولية وطنية وضعها الامام الاكبر بأن وجودنا جاء من أجل مصر وحينما وجدت مصلحتها فثم وجه الله وإذا لم يكن لدينا ما نتكئ عليه فلنلملم أوراقنا عند ذلك ونرحل عنها.. الوجود في تلك الجمعية حكمتنا فيه قواعد صارمة حددها الامام الاكبر شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب وكنا نتحرك وفقا لها. الأزهر لم يكن منصوصا عليه في الدساتير السابقة؟ كانت رغبة النظم السياسية المتعاقبة تقف حائلا دون تحقيق ذلك وهذه هي المرة الأولي في تاريخه التي يدخل فيها رحاب الدستور ويحتمي فيها من سطوة السلطة ويبتعد عن أنوائها ومحاولاتها لبسط سيطرتها علي كيان عريق والتخلص من رواسب الماضي.. بعد ما ظل يدفع ثمن تنظيم وجوده بقانون يتيح للنظم السياسية التدخل في ادارة شئونه. كيف يتحقق للأزهر استقلاله الكامل عن السلطة التنفيذية في وقت يتلقي فيه الدعم المالي منها؟ كل ذلك وضع في الاعتبار عندما صيغت العبارات في الدستور ووفرت ضمانات كافية تحول دون خضوعه تحت وصاية السلطة التنفيذية نتيجة لقيامها بتحويله الدستور الجديد ألزم السلطة التنفيذية باعتمادات مالية للأزهر وأبعدها عن التدخل في إدارته واختيار قياداته وعلاقاته في الداخل والخارج وشئونه العلمية. في ظل وضع الأزهر في مشروع الدستور الجديد كيف تجري عملية اختيار الإمام الأكبر؟ النص الدستوري يقضي بأن شيخ الأزهر غير قابل للعزل ويجري اختياره عند خلو منصبه بالانتخاب بين هيئة كبار العلماء أو بالتعيين لأحد اعضائها والقانون الحالي حدد وسيلة واحدة لاختياره عن طريق الانتخاب وعند إقرار الدستور فإن الأمر ينحصر في طريقتين الانتخاب أو التعيين. ما لا يعرفه كثيرون أن منصب شيخ الأزهر لم يكن محصنا ضد العزل ولكن الأعراف القانونية تعاهدت علي عدم عزله ووضعه الآن تحصن في الدستور بوجود نص يقضي بذلك. عند إقرار مشروع الدستور هل سيتغير وضع شيخ الأزهر الحالي؟ نص الدستور ليس فيه ما يتعارض مع وجود فضيلته. وما جري اقتراحه مسألة تنظيمية وإقرار لرؤي وأفكار خرجت من ثنايا فكرة رغبة منه ان تستقر أمور الأزهر ويبتعد عن أنواء النظم السياسية السائدة. كيف جري النقاش حول تحديد مدة شيخ الأزهر في مشروع الدستور؟ كان هناك جدل بين الاعضاء فيما يتعلق بهذا الشأن وذهب اتجاه بتحديد المدة بأربع سنوات قابلة للتجديد واتجاه وجد أن منصب شيخ الأزهر قيمة دينية رفيعة لابد من ابتعاده عن هذه النوعية من الاختبارات.. حتي استقر الأمر بترك تلك القضية للقانون يحددها كيفما يشاء.. هل مارست القوي السياسية ضغوطا علي الأزهر للانسحاب من الجمعية التأسيسية؟ وسط دخان الصراعات حاولت قوي سياسية وأحزاب ممارسة ضغوط علي الأزهر للانسحاب من الجمعية أو علي الأقل تجميد العضوية وكنا ننظر إلي المواقف بمعايير العدالة والمصداقية وتحقيق المصلحة الوطنية, وانحاز الأمام الأكبر إلي الحق والعدل وجاء قرار الاستمرار. هل تجد مبررا للمخاوف التي سادت لدي المنسحبين من تأسيسية الدستور؟ سكنت الشكوك حنايا صدور البعض جراء أشياء تتعلق بأسلوب اقرار النصوص واتجاه خطواتها صوب طريق تحيطه عقبات وسوء إدارة الجلسات علي حد تقديرهم وغيرها من الأمور التي لم تسرب إليهم الارتياح النفسي. ووسط هذا المناخ المشحون كنت أجد أن بارقة الأمل موجودة ويمكن ضبط الأمور وايجاد صيغة توافقية ترضي الأطراف المتباعدة وتحقق لهم ما أرادوا.. لم استشعر لحظة واحدة أن الأمور وصلت إلي طريق مسدود يستحيل معها الوصول إلي نقطة اتفاق. إذا كانت الأمور مبشرة بهذا القدر من الأمل في الوصول إلي نقط اتفاق فلماذا لم يتم التقريب بين وجهات النظر المتباعدة ؟ علي مدار الأشهر الستة التي جري فيها الاعداد والتحضير لمواد الدستور جرت مناقشات عديدة وتم الاتفاق علي أمور معينة لكن في بعض الأحيان ما يجري الاتفاق عليه يبزغ في الافق ما يحول دون تحقيقه وقد تذرع البعض بمواقفه السابقة ودخل الشك وفرض مناخا غير طيب.. مما أدي إلي تمسك كل طرف بوجهة نظره والسعي الي تحقيقها بغض النظر عن مدي منطقيتها.. المعضلة الأساسية التي حالت دون التوافق تجسدت في أزمة ثقة بين الأطراف المختلفة. بحكم موقفك كقاض كيف تري نصوص الدستور ومدي اتساقها مع المجتمع ؟ لو جاء من بين تلك النصوص ما يهدد أمن وسلامة المجتمع لرفضها وفد الأزهر لأنه يشارك من منطلق المصلحة الوطنية, ولم يسع الي تغليب مصلحة حزبية.. فقد كان الازهر يمسك في يده ميزان العدل يقيس به الأمور وأتصور ان90% من مواد الدستور تنسق مع بنيان المجتمع وتعطيه دفعة قوية للبناء الديمقراطي. كانت هناك مبادرات من الأزهر لإعادة المنسحبين من الجمعية التأسيسية ما الأسباب التي حالت دون عودتهم ؟ حمل الأمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب فوق عاتقه مسئولية جمع شتات المنسحبين وإعادتهم إلي التأسيسية وبذل في سبيل ذلك جهودا شاقة وكان يبتهل الي الله لرأب الصدع وتجنب الفتنة وتجاوز المرحلة الحرجة وإنجاز الدستور بالتوافق ودعا الجميع الي مائدة النقاش.. لكن ضيق الوقت لم يسعف الأطراف للاستمرار في الحوار والتقريب بين وجهات النظر.. فالخلاف تطلب مزيدا من الوقت وكان الشيخ الجليل قد قطع فيه خطوات جادة وامتنع البعض وعاد إلي التأسيسية عدد من المنسحبين كحزب غد الثورة والبعض الآخر كان يحتاج الي مزيد من الاقناع.. خاصة عندما وجد الجميع ان هناك استجابة حول النقاط الخلافية داخل الجمعية. إقرار مادة العزل السياسي في مشروع الدستور هل تطول شيخ الأزهر الدكتور الطيب ؟ هذا النص الدستوري ليس له علاقة من قريب أو بعيد بالأمام الأكبر كونها تتحدث عن أحقية الترشح لأعضاء الحزب الوطني المنحل في الانتخابات البرلمانية.. وشيخ الأزهر استقال من الوطني خلال فترة عنفوان الحزب ووضع اسمه ضمن المكتب السياسي له جاء بشكل طبيعي وقت رئاسته لجامعة الأزهر علي اعتبار ان الحزب كان راغبا في وجود شخصية دينية معتدلة وتملك قوة التأثير وعندما اختير شيخا للأزهر قدم استقالته وبالتالي يستحيل احتساب فضيلته ضمن رموز الحزب الوطني. كيف كان موقف وفد الأزهر في التأسيسية من إقرار نص العزل السياسي ؟ حتي لا يجتهد البعض ويذهب بأفكاره بعيدا أود أن أقرر حقيقة بان تحفظ وفد الأزهر الشريف علي مادة العزل السياسي لم يأت نتيجة لكون الأمام الأكبر كان عضوا في الحزب الوطني.. لكنه جاء لإقرار واقع يصعب قبوله باقصاء شخصيات لم تقترف ذنبا.. لقد رأي فضيلة شيخ الأزهر انها تنال من الابرياء لذلك لم يوافق علي وضعها في الدستور وعلي هذا الاساس لم نصوت عليها. طرح الأزهر مؤخرا مبادرة أخري لاحداث التوافق بين القوي السياسية هل تري ثمة أمل يلوح في الافق صوب ذلك ؟ كان الهدف من المبادرة الأخيرة جمع شتات القوي السياسية والحزبية ومحاولة رأب الصدع الذي حدث علي خلفية الاستمرار في طرح الدستور واقترح الأمام الأكبر علي مؤسسة الرئاسة تعديل الاعلان الدستوري والدعوة الي حوار مجتمعي بين القوي السياسية حول مسودة الدستور لكن المشكلة ان البعض استجاب والبعض الأخر تمسك بموقفه الرافض ورغم ذلك أجري الحوار لتبديد المخاوف والوصول الي أرضية مشتركة ومازالت المبادرة قائمة ربما يغلب البعض المصلحة العامة. سيسعي الأزهر الي تعديل قانونه ليواكب مرحلة البناء والتطوير لمؤسساته ؟ الامام الأكبر يحمل فوق عاتقه مسئولية جسيمة في هذا الشأن ويسعي جاهدا إلي إعادة بناء مؤسسات الأزهر علي نحو يخلصها من الرواسب القديمة التي وقفت حائلا دون تحقيق ذلك وقد اتخذ في سبيل ذلك قرار بتشكيل لجان متنوعة مهمتها وضع رؤي جديدة تعيد للأزهر ومؤسساته الريادة وتدفع بها صوب الدر جات العلي عبر منظومة تعليمية تواكب حجم التقدم الذي اعتري الحياة.