لقد أسهمت جميع الأحزاب والقوي السياسية بالاضافة الي كثير من رجال الإعلام في تعقيد المشهد السياسي في مصر منذ استفتاء مارس2011 , وأخذ التعقيد يزداد ضراوة حتي وصلنا إلي المشهد الحالي, وإذا أضفنا إلي ذلك موقف كثير من القضاة بزعامة رئيس ناديهم المستشار أحمد الزند, ثم استحضرنا مواقف الجمعيات العمومية لكثير من المحاكم المصرية لوجدنا أنفسنا في موقف غير مسبوق في الحياة المصرية المعاصرة. ازداد الأمر تعقيدا حينما زحفت الآلاف بل الملايين من جماهير الشعب المصري لتعبر هي الأخري عن مواقفها مدفوعة بحب الوطن حينا وبشحن من بعض القيادات أحيانا أخري قد يكون من بينها من هو حريص علي الوطن وقد يكون أيضا تصفية لحسابات خلفتها انتخابات رئاسية أو برلمانية أو أحكام قضائية مست جوهر الفصل بين السلطات حتي تهددت مؤسسات الدولة المنتخبة إما بالفناء أو بالشلل جزئيا أو كليا. وتم كل ذلك في الفترة الانتقالية الحرجة التي كان يتوجب علي كل طرف أن يبذل قصاري جهده لكي نجتازها بسرعة وبسلام أيضا, لكن غاب التوفيق عن الجميع بدرجات متفاوتة وعاب بعضهم علي بعض أيهم أشد بعدا عن الوفاق والاتفاق. فمنذ اللحظة الأولي من تنحي الرئيس السابق بدأ السير في عكس الاتجاه الذي كانت مصر تتمناه, فأحكم المجلس العسكري قبضته علي البلاد ولو كان ذلك لحفظ الأمن لقبلناه لكنه راح يصوغ مسارا سياسيا افتقد إلي الحنكة والتوازن فأحدث ذلك اضطرابا بين النخب السياسية حول ما كان يصبو إليه المجلس العسكري من الحفاظ علي دور سياسي له فنشأت حالة من الصراع بين رافضي المجلس العسكري ومؤيديه ظلت مستمرة حتي بعد أن أنهي رئيس الجمهورية التأثير السياسي للمجلس العسكري. ولما ظهر جليا أن التيار الاسلامي يحظي بشعبية جماهيرية تخوف كثير من الليبراليين واليساريين ودعاة العلمانية فاصطفوا صفا واحدا رغم ما بينهم من خلاف أيديولوجي وجمعتهم فقط المواجهة مع التيار الاسلامي, ومن جانبه لم يستطع التيار الاسلامي أن يفسح مكانا لا في قلبه ولا في عقله كي يحاول أن يرأب صدعا بات حقيقة واقعة, وحشد كل اتجاه جماهيره في مظاهرات غابت عنها الحكمة وغاب عنها المنطق العقلاني, وانطلقت ألفاظ تحمل تهما وإهانات ما نجا منها أحد تقريبا بدءا من رئيس الجمهورية مرورا برجال القضاء, ونال الاعلاميون حظا غير منقوص من هذا العدوان اللفظي والنفسي, وقد يتفهم المرء أن ينتقد صحفيا أو إعلاميا بسبب مواقفه لكن التهجم بألفاظ لا تليق أمر لا يليق, ومثل ذلك قد حدث مع بعض الرموز القضائية وازداد الأمر بمظاهرات غير مبررة حول أو أمام بعض المحاكم. إن العقدة قد استحكمت لكن كما نقول في أمثالنا الشعبية كل عقدة لها حلال, ولأن العقدة مركبة فإننا نحتاج إلي مساهمات كثيرة لحلها, فمقام الرئاسة الرفيع في يده كثير من مفاتيح الحل, وإنه لعمل لو تعلمون عظيم إذا استعملت هذه المفاتيح, ورجال السلطة القضائية إذا ما نأوا بأنفسهم عن الصبغة السياسية وحافظوا علي استقلال قرارهم فلا يتلونون بلون سياسي لنجوا ولأسهموا في إيجاد الحل المرجو. والزعماء السياسيون حينما يضعون المصلحة الوطنية فوق كل مصلحة أخري فلربما ظهر لهم الطريق القويم بدلا من التخبط في مسارات ملتوية متعرجة. إن رجال الإعلام الذين نالهم الكثير من الأذي, فإنني أحب أن أوضح لهم أن الأمر التبس علي الجماهير فاختلط عليهم أمر الذين يمارسون حقهم في النقد مع الذين اتخذوا موقفا مريبا طوال الفترة الانتقالية, وأيا كان الموقف فليس من حق أحد أن يمسهم بألفاظ جارحة سواء انتمي هذا الاحد الي تيارات ليبرالية أو تيارات اسلامية, ويشتد النكير علي من استعمل ألفاظا خارجة من بين من ينتمون إلي التيار الإسلامي إذ كيف ينسون قول الله- عز وجل-: ادفع بالتي هي أحسن السيئة فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم. نتوقف عند أهل الإعلام الذين يتوجب عليهم ألا ينحازوا سياسيا إلي فريق دون الآخر فإن صفحات جرائدهم وشاشات قنواتهم يجب أن تعرض الحدث بصورة حيادية فهذا أقرب إلي الحرفية المهنية أما احتجاب الصحف ووقف البث التليفزيوني فرسالة معناها الوحيد أنهم- أي الإعلاميين- طرف في الصراع السياسي, وليس ذلك مصادرة لحقهم في الممارسة السياسية لكن يجب أن يحكم معادلتهم ذات القوانين التي تحكم كل المواطنين. أما القضاة فعجب ما فعل بعضهم من استنفار ضد السلطة التنفيذية معللين ذلك بالدفاع عن استقلال القضاء وهيبته, وظني أنهم قرأوا الإعلان الدستوري بعين سياسية وهي غير بريئة من الانحياز بينما عين القضاء حيادية تقضي بالحق ولا شيء غيره, وحسنا فعل مجلس القضاء الأعلي عندما أعلن استعداده للإشراف علي استفتاء الدستور في مواجهة ما أعلنه نادي القضاة من مقاطعة الإشراف, وجدير بالذكر أن مجلس القضاء الأعلي هو الذي يجمع بين جنباته جميع أنواع القضاء المصري ويمثلهم أما نادي القضاة فهو مكان لإبداء الرأي لكنه لا يمثل السلطة القضائية ولا يلزمها بشيء. أضع هذه الحقائق واضحة أمام الشعب المصري وأتوقع أن يفعل ذلك كل صاحب رأي ولا تثريب علينا في إيضاح الأدلة المؤيدة لأفكارنا لأن ذلك يسهم في نقل الصراع السياسي من ساحات الميادين والشوارع إلي صفحات الرأي التي اتسعت ساحتها للجميع بعد ثورة25 يناير فننتقل خطوة خطوة إلي الرشد السياسي فهما وممارسة وتطويرا, فإن حدث ذلك بإخلاص وحرص وطني انتقل المجتمع بالضرورة معنا موافقا أو رافضا وموجها في كل الحالات لأنه هو الحارس الأمين بحق لمسيرة الوطن, وهذه إحدي علامات النضج الديمقراطي الذي نريد أن نصل إليه, ويسألونك متي هو ؟ قل عسي أن يكون قريبا. المزيد من مقالات د.حلمى الجزار