ذهبت الارملة المسكينة الي المقابر لقراءة الفاتحة علي زوجها المتوفي حديثا, فوجدت عائلة غنية تستقرئ احد شيوخ المقابر, وزاد المقرئ واسهب في قراءة آيات الجنة ونعيمها.. وبالاضافة الي سورة الرحمن المقررة علي شيوخ المقابر وزوارها, قرأ المقرئ: وبشر الذين آمنوا وعملوا الصالحات أن لهم جنات تجري من تحتها الأنهار كلما رزقوا منها من ثمرة رزقا قالوا هذا الذي رزقنا من قبل وأتوا به متشابها ولهم فيها أزواج مطهرة وهم فيها خالدون. وتوقع المقرئ زيادة في الدفع من العائلة الغنية, فشرح الآيات وبشر زوار القبر بان قريبهم سيكون مصيره في البساتين الجامعة ليتمتع بالثمار الوارفة والظل المديد والأغصان والأفنان. وحاول ادخال السرور علي زواره فقال لهم ان المتوفي ان شاء الله سيكون في جنات تجري من تحتها أنهار الماء واللبن والعسل والخمر, يفجرونها كيف شاءوا, ويصرفونها أين أرادوا. وبعدما قبض المقرئ المعلوم الوفير وهو ما ظهر علي وجهه, فوجئ بالارملة المسكينة تطلب منه قراءة القرآن علي زوجها, فوافق علي مضض, فمظهرها يوحي بالفقر ولن يخرج سوي بملاليم قليلة لا تستدعي ذكر آيات الجنة. فقرأ قوله تعالي: إن المجرمين في عذاب جهنم خالدون.. و إن شجرت الزقوم, طعام الأثيم, كالمهل يغلي في البطون, كغلي الحميم, خذوه فاعتلوه إلي سواء الجحيم, ثم صبوا فوق رأسه من عذاب الحميم, ذق إنك أنت العزيز الكريم, إن هذا ما كنتم به تمترون. فامتعضت الارملة وذكرته بما قرأه للعائلة الغنية من جنات النعيم واختص زوجها بالجحيم, فرد بان القرآن واحد وبه آيات الجنة والنار, ولكل ما يستحقه. حقا.. نحن نعيش في مقبرة واسعة.. المزيد من أعمدة محمد أمين المصري