أحد أبرز تجليات الخفة السياسية التي لا تحتمل هو التركيز علي وضع دستور مبتسر يخدم مصالح واضعيه إيديولوجيا بمقولة إمكانية تعديله لأنه ليس مقدسا!! أو استخدام المؤشر الرقمي بالقول إن كل مادة استغرقت300 ساعة. وإنهم استغرقوا حتي الآن60 ألف ساعة عمل في إنجاز المسودات وجلسات الاستماع وعمل الجهاز الإداري. وهو مؤشر مردود لأن العبرة بمستوي ونوعية الإنجاز ورصانته وجديته وتوازنه وأحكام صياغته ووضوحها ودقتها لا ركاكتها وإنشائيتها, وغموض مفاهيمها وليس محض ساعات من اللغو وفقدان الخبرة والأخطر المسئولية السياسية بل الأخلاقية الإسلامية التي ترتكز علي دين الحرية لا دين الاستبداد. أقرأوا أكابر مشايخنا العظام الأئمة البارزين محمد عبده والكواكبي وخليفة المنياوي ومحمود شلتوت وعبد المتعال الصعيدي, ومحمد عبد الله دراز ومحمد الغزالي, بل وما اعتمد عليه زميلنا العزيز الفاضل راشد الغنوشي في كتاباته علي اجتهادات الأزهريين الكبار.. الكبار.. لا بعض الذين لا نعرف أين تعلموا الأصول الإسلامية ولم يتعلموا ويعرفوا اجتهادات فقهائها الكبار! من وراءهم! من محرضهم علي الإساءة إلي الدين العظيم وقيمه الفضلي السمحاء؟!. مسودات.. مسودات.. أربع مسودات وأكثر حاملة أخطاءها الكبري لمعني الحس بالدستور, وجسامة المسئولية الوطنية المفترضة علي من يقومون بوضعه. مسودات تسرب وراء أخري لنصوص مبتسرة وغامضة وعامة, تحمل في أعطافها تهديدات في العمق للحرية والمساواة والمرأة والأطفال, وتقدم صورة شوهاء للدين الإسلامي العظيم دين الحرية والمساواة والعدالة والاجتهاد والفضائل واليسر لا العسر. هذا الأسلوب في تمرير عديد الصياغات يتم التراجع عنها, هو أسلوب يعكس المناورات علي الدستور وروحه, ويعكس التردد وغياب قرارات سياسية لدي جماعة الإخوان وحزبها الحرية والعدالة, وعناصرها داخل اللجنة التأسيسية, في الالتزام بمعني مدنية الدولة وفق ما سبق أن قرره رئيس الجمهورية د. محمد مرسي في عديد الخطب والمقابلات الإعلامية, وكذلك معني الدولة الديمقراطية الدستورية. من ناحية أخري, يبدو أن هناك رغبة عارمة لدي بعض قادة الإخوان المسلمين في ضرورة وضع نصوص يعتمدون عليها في تغيير طبيعة النظام القانوني للبلاد, بالإضافة إلي النظام السياسي, وأسلمة الدولة أو أخونة الدولة وفق التعبير السياسي الذي ذاع مؤخرا إذن يسعي غالب الإخوان المسلمين والسلفيين والجماعات الإسلامية, وأحزابهم السياسية إلي وضع نصوص ذات طبيعة دينية تساعدهم علي التعجيل بعمليات الأسلمة السياسية والدولتية والقانونية وفق مصالحهم وفرض قيود علي الحريات الشخصية والعامة باسم خطاباتهم التفسيرية التأويلية لمعني المصطلح العام والوضعي للشريعة الإسلامية وعديد مصادرها. سرعة اللجنة في إعداد مشروع الدستور, بهدف توقي احتمالات حل اللجنة التأسيسية المنتخبة, حتي بعد إحالة القانون الخاص بتشكيلها إلي المحكمة الدستورية العليا للنظر في مدي شرعيته الدستورية. وهو ما يعكس رغبة عارمة في وضع دستور جديد يعكس مصالحهم لا التوازنات بين عديد المصالح السياسية لمكونات الأمة, بالإضافة إلي أن الإخوان والسلفيين والجماعات الإسلامية وأحزابها السياسية يريدون تجاوز أسس المشروعية الدستورية والقانونية في عملهم وانتظار أحكام القضاء الدستوري والإداري. اعتماد جماعة الإخوان المسلمين والقوي السلفية منطق الأغلبية البرلمانية التي تم القضاء بعدم شرعية قانون انتخابها في تحديد طبيعة الدستور الذي يعبر عن مواقف وتصورات الأغلبية التي تم حل البرلمان الذي تمثله ومعه مجلس الشوري وفق ما هو مرجح في هذا الصدد. هذا المنطق ضد دستوري بامتياز, ومن ناحية أخري يغفل ويتناسي الجروح الأخلاقية التي تمس شرعية تمثيل مجلسي الشعب والشوري للإرادة العامة للأمة والجماعة الناخبة في ظل عدم دستورية وشرعية السند السياسي والقانوني بوجودهما معا. اعتماد مسودتي الدستور الجديد علي مرجعية دستور1971 وتعديلاته الثلاثة, ومن ثم أثر ذلك علي مدي تجانس المسودات داخليا, وجعل اللجان الداخلية أسيرة التفكير في ظل نصوص دستور تسلطي, ومحاولة ترقيع بعض هذه النصوص, واستبدال بعضها بأخري جديدة مختلفة, ولكن الروح التسلطية هي السائدة في روح بنية هذه النصوص. من ناحية أخري الصياغة الحالية لمسودتي الدستور لا تزال متأثرة بروح وبعض صياغة دستور.1971 انطلاقا من مجمل ما سبق يبدو من الأهمية بمكان دراسة مشروع الدستور ومسوداته في إطار الخبرتين المصرية والمقارنة. هناك خلط بين النص الدستوري وصياغته الفنية الدقيقة, وبين النص التشريعي واللائحي, حيث يلاحظ أن مسودة الدستور الثانية تبدو في عديد أبوابها تخلط بين ما هو نص دستوري, وما هو أقرب إلي التشريع. من ناحية أخري الميل إلي الحشو والاستطراد والإطناب, وهو ما يمثل أحد الأعطاب البنيوية في المعمار الفني واللغوي للدستور, والأحري في فلسفته وهندسته. الاستخدام المباشر وغير المباشر لخطاب الهوية ومعاييرها في صياغة مجموعة من القيود علي الحريات العامة والفردية تحت عديد المسميات غالبها ديني باسم أحكام الشريعة الإسلامية, أو من خلال مفاهيم عامة وفضفاضة ومرنة جدا تحت مسميات العادات والتقاليد والأسرة والقيم الدينية والاجتماعية, وهي مفاهيم تتسم بالغموض وتعطي للسلطة السياسية الحاكمة سلطة تفسير هذه النصوص, ووضع قيود علي الحريات الفردية والعامة وهو أمر تكشف عنه الخطابات الدينية والسياسية المحافظة والسلطوية لغالب الجماعات والأحزاب الإسلامية السياسية الإخوان والسلفيين والجماعة الإسلامية والجهاد.. إلخ وأذرعهم السياسية الحزبية- وهي جماعات تستخدم هذه المفاهيم من أجل تقييد الحريات, وإعطاء دور وصائي للدولة والسلطة بل الجماعات والأفراد سهولة اللجوء إلي سلاح الحسبة لمطاردة المفكرين والكتاب والشعراء والروائيين والمسرحيين, والمبدعين تحت سلطة الدفاع والوصاية علي المواطنين باسم العادات والتقاليد والقيم الدينية والاجتماعية والأخلاق أو الوطنية. .. وللحديث بقية المزيد من مقالات نبيل عبدالفتاح