هو المخرج الذي ثار حوله جدل واسع في عالمنا العربي, ليس علي المستوي التقني والفني فقط وعلي الرغم من كل الأصوات المعارضة كان صاحب عزيمة وتحد وأصرار في تنفيذ أعماله الدرامية التي تجسد الأنبياء علي الشاشة, هو والمخرج مجيد مجيدي الذي قارب علي الانتهاء من تصوير الجزء الأول من مسلسل( النبي محمد)- الذي تعذرت مقابلته- لأنه كان يعد للسفر للهند, لتصوير ما تبقي من مشاهد الجزء الأول. إنه المخرج' سلحشور', مخرج المسلسل الرائع( يوسف الصديق) الذي تتبعه المشاهد المصري بشغف علي الفضائيات العربية, بعد منع عرضه علي شاشات التليفزيون المصري, ويعد' سلحشور' حاليا لإخراج مسلسل عن النبي' موسي', ويتطلع لتصويره في مصر, خصوصا وأن مصر تمثل جزءا أساسيا من حياة النبي موسي, ولذا كان هذا هو محور الحوار الذي امتد إلي كيفية التعاون في مجالي الإنتاج السينمائي والتليفزيوني المشترك, خاصة بعد النجاحات التي حققتها إيران في هذا المجال علي المستوي الدولي, وتطلع الجانب الإيراني إلي استغلال زيارة الوفد السينمائي المصري الذي يضم رموز الفن السينمائي. في البداية أوضح' سلحشور' أن المسلسلات في إيران تصنعها الدولة ولا يوجد إنتاج خاص, وتبقي الحكومة هي التي تقرر ما ينتج, وهي التي تقرر التوزيع والبيع, لكن الأفلام السينمائية بعضها استثمار حكومي وبعضها استثمارات خاصة, وحتي أفلام الإنتاج الخاص الحكومة وحدها هي التي تقررها أولا, ولو قرر شخص ما أن يصنع فيلما فليس له مطلق الحرية في ذلك, فقد تكون بعض الأفلام معادية للثورة الإيرانية والحكومة. في مناسبة الحديث عن ألافلام المعادية: ما هي مرجعية الرقابة عندكم ؟ الرقابة مرجعيتها إسلامية, والسبب أن دول الغرب التي تمثل دول' الاستقبال' لأعمالنا تهاجمنا ثقافيا, والرقابة وظيفتها هنا منع التداخل الثقافي الذي يمكن أن يؤثر علي التيارات الإسلامية, نحن مجبرون لاتخاذ كامل الإجراءات الاحتياطية. هذا يعني أن التعاون المشترك من خلال الحديث مع الحكومة وليس معكم؟ عندما أقول' نحن' فإنني أعني بذلك التحدث بلسان الحكومة الإيرانية, ولكن يمكن أن نزور مصر عن طريق وفد إيراني, ونقرر إذا كنا نشتري المسلسلات والأفلام المصرية' قال ذلك وهو يتصفح كتالوجا لمدينة الإنتاح الإعلامي المصرية' أهداه له ممدوح يوسف رئيس قطاع الإنتاج, يحمل توضيحا لمواقع التصوير الفرعوني والتاريخي والديني والريفي والحضاري, ثم بدأ في حديثه حول المقارنة بين مدينة الإنتاج بالقاهرة ومدينتين للتصوير الخارجي بطهران- قمنا بزيارتهما- هما: مدينة' غزالي السينمائية' والتي شعرت أن الحياة سلبت منها, بعد ما اتخذت شكل الأماكن المهجورة حاليا, حيث تخلو من الناس ومن حركة العمل, والمدينة الثانية هي مدينة' الدفاع المقدس التليفزيونية', والتي تعتبر الأكثر حيوية وثراء, مع شعور بالحميمية, لأن مصر تحتل جزءا كبيرا منها من خلال ديكورات المعابد والتماثيل الفرعونية, وبها نموذج مصغر للنيل, تجري فيه المياه, للتصوير فيما يتعلق بأحداث مصرية إذا تضمنها مسلسل إيراني, كما حدث في مسلسل( يوسف الصديق), وقد لاحظ المخرج هاني لاشين ومهندس الديكور فوزي العوامري, أخطاء من ناحية النسب للتماثيل الفرعونية, وفي بعض تفاصيل الديكورات, وتساءل حول الاستعانة بخبرات مصرية في مجال الديكور, وهو مايعد بداية للتعاون المشترك. سلحشور من جانبه قال إنه يمكن تصحيح الديكورات في الأعمال المقبلة, متسائلا: هل يمكن استخدام مدينة الإنتاج الإعلامي بمصر في تصوير مسلسل( سيدنا موسي, هنا تدخل ممدوح يوسف مستفسرا عن كيفية المساعدة في تصوير النبي موسي؟, وهو ماقبله سلحشور مستعرضا إمكانات وقدرات صناعة الديكور في مدينة' غزالي السينمائية' ومدينة' الدفاع المقدس التليفزيونية', ثم قال متحديا: هل تعتقدون انكم أقوي بمدينة الإنتاج الإعلامي تلك؟ وبلهجة التحدي ذاتها رد المنتج محمد فوزي وممدوح يوسف في وقت واحد: نعم نحن أقوي, نحن لدينا فنون من الجرافيك أفضل مما رأيناه في فيلم' الملك سليمان', والذي كنا قد شاهدناه في زيارتنا لمدينة السينما, ولم يسبق عرضه بالفضائيات العربية, وعلل سلحشور ضعف الجرافيك بأنه يعود لخبراء صينيين( من هونج كونج) هم من قاموا بتنفيذ الجرافيك في فيلم الملك سليمان. قلت موضحا: ألسنا نحن الذين نمتلك مواقع حقيقية مثل' جبل موسي', المعروف باسم جبل' الطور'؟ وفي رده فوجئت بقول المخرج سلحشور: الموجود في سيناء, ليس جبل موسي, وأثارني هذا القول لأن كل الوثائق وكتب التاريخ والكتب السماوية كلها تشير بل وتؤكد علي أنه' جبل موسي' كليم الله والذي علي ربوته العليا كلم الله موسي, وتلقي' الوصايا العشر' وفقا للديانات اليهودية والمسيحية والإسلام, وهو الذي يقع قرب دير سانت كاترين, ويعتبر هذا الجبل المبارك من أفضل جبال الأرض عند الله, وقد تم ذكره في القرآن, كما تم ذكر سيناء لانه يقع فيها, فقد ذكر في القرآن' وطور سنين وهذا البلد الأمين', كما يوجد أيضا علي قمة هذا الجبل كنيسة يونانية صغيرة وجامع صغير. ومع ذلك سلحشور: وأين مكان جبل موسي حسب معتقداتك ؟ رد قائلا: إنه' جبل اللوز' في شمال غرب السعودية, وهنا طال الجدل وعلت الأصوات ثم همس أحدهم في أذني بألا أطيل الحديث في هذا الموضوع, ففي إيران لديهم قناعتهم التي تختلف عن قناعتنا, ولديهم في كتبهم ما يخالف كتبنا. وتعود دفة الحوار من جديد لأسأل سلحشور: كيف تتطلع لتصوير مسلسل( موسي النبي) في مدينة الإنتاج الإعلامي بمصر, وهناك قرار للأزهر الشريف يحرم تجسيد الأنبياء علي الشاشة وكان رده باندهاش: هل مازلتم تمنعون ذلك؟, نحن استشرنا شيوخا من السنة والشيعة في لبنان وقد وافقوا علي تصوير مسلسل' النبي محمد', وقائد الثورة الإسلامية' آية الله علي خامنئي' هو من اقترح إنتاج مسلسل عن' النبي موسي' عليه السلام, وقال سماحته- الكلام علي لسان سلحشور- إنه من الأفضل إنتاجه, بعد مسلسل( يوسف الصديق), لأن أحداث مسلسل' النبي موسي', تبدأ من فترة وفاة النبي يوسف عليه السلام وتوقعاته بشأن بني إسرائيل وهو مايعني تواصل الأحداث مع مولد النبي موسي وهروبه من مصر وإنقاذ بني اسرائيل وتيههم40 عاما في صحراء سيناء, وأضاف: هناك نقاط مظلمة في تاريخ اليهود والوصول إلي الحقائق من بين4 ألاف عام من الكذب علي شعوب العالم يعد أمرا صعبا للغاية. قلت له: بعد تلك المفارقات, كيف يمكن التلاقي والتعاون, سواء سينمائيا أو تليفزيونيا مع مصر ؟ قال: هناك ثلاثة مجالات نستطيع أن نعمل معا لتنفيذها, تبادل الأفلام والمسلسلات بيعا وشراء واستغلال مدينة الإنتاج الإعلامي المصرية, وأنتم تستطيعون استغلال مدينتنا' الدفاع المقدس', ولدينا فن الجرافيك حيث يمكن لكم التصوير الخارجي في أي مكان بإيران, بعد الحصول علي تصريح من وزارة الإعلام, ونحن' سندبلج أعمالكم بالفارسية وأنتم تقومون' بدبلجة اعمالنا باللهجة المصرية, شرط أن يكون الإشراف مشتركا لمراعاة الدقة في الترجمة. وماذا عن إمكانية مشاركة فنانين مصريين في المسلسلات والأفلام الإيرانية؟ ليس لدينا أي مشكلة, نحن نرحب بمخرجين وممثلين مصريين, لكن المشكلة أنكم تتحدثون اللغة العربية ونحن نتحدث الفارسية مما يصعب مثل هذا التعاون, إلا إذا أجاد الفنان المصري اللغة الفارسية. وهل يشترط علي الممثلة ارتداء الحجاب في التمثيل؟ نرفض لأي مسلمة أن تمثل بلا حجاب. ماذا لوكانت الممثلة تجسد شخصية تعمل في ملهي ليلي مثلا, ثم تغيرت وتبدلت, وقررت ارتداء الحجاب؟ قال مؤكدا: أيضا عليها ارتداء الحجاب حتي قبل أن تتغير وتتبدل شخصيتها. وماذا, لو جسدت دور شخصية غير مسلمة؟ يمكن أن ترتدي باروكة, فنحن نعتبر الباروكة حجابا. لكن الباروكة قد تزيد المرأة جمالا, وتجعلها أكثر فتنة, هذا إذا كنا نتحدث عن المرأة من الناحية الجسدية, وأيد السيناريست مصطفي محرم ذلك, أن الباروكة تجمل من شكل المرأة؟ إذن فليقم بالدور شخصية غير مسلمة, لأن المسلمة لو مثلت بدون حجاب حتي ولو اضطرت لذلك من أجل العمل, فانها في الواقع ستتحمل وزرا كبيرا في ذلك طوال حياتها, وهنا يقع علي الممثلة في الواقع معصية فريضة وذنب أنها مثلت بدون حجاب, حتي لو جسدت دور غير مسلمة في الفيلم. إذن وحسب تصورك هذا لن تنجح الشراكة ابدا, لانكم تريدون أن نعمل وفقا لفكركم ومعتقداتكم وقناعتكم, ومن هنا ستتحول هذه الأفلام والمسلسلات إلي نشر الفكر الإيراني الفارسي الشيعي,وكما قال المنتج محمد فوزي: هذا يقلل مساحات التعاون بين الجانبين, وانحصارها في نوعية معينة من الأفلام.ومن جانبه أكد سلحشور علي كلامه مرة أخري بقوله: لو جاء ممثلون مصريون عندنا سيتبعون قوانيننا, ولو ذهب ممثلون إيرانيون عندكم يتبعون قوانينكم. وبذلك بدأت آمال التعاون تنحصر وتتضاءل, وبعكس بداية الحديث كانت الآمال عريضة والمساحات شاسعة للتعاون راحت تضيق وتضيق حتي نهاية الحديث, وبعد أن كانت البداية متفائلة حول الإنتاج المشترك, وبيع وشراء الأعمال بين الجانبين اقتصرت في النهاية علي' المقايضة', حين قال المخرج سلحشور: نستطيع أن نأخذ أفلاما ومسلسلات مصرية وندبلجها بالفارسية والعكس بالنسبة لكم, ودون مقابل كنوع من المقايضة, وفي حالة تحقيق أرباح كلا الجانبين يأخذ مقابل الأسهم التي شارك بها, ويمكن الاستفادة بما لديكم من وثائق وكتب, وأنتم كذلك تستفيدوا من وثائقنا. انتهي اللقاء مع مخرج' يوسف الصديق عند هذا الحد, لكنه فتح باب الأسئلة: فكيف يمكن لبلد منغلق وبه كل هذه القيود الفكرية, ويعاني تهديدات علي مستوي العقوبات الدولية يمكن له إنتاج مسلسلات بحجم'يوسف الصديق' و'مريم'؟, وكيف استطاعت الأفلام الإيرانية أن تنتزع في الفترة الأخيرة جوائز مثل الأوسكار والسعفة الذهبية؟, بينما نحن بما لدينا من سينما لها تاريخ عريق ونبدو أكثر تحررا, فضلا جاءت نمتلكه من إمكانات, ومع ذلك ننتج أفلاما لا تصل حتي إلي القماشة التي يلمعون بها تمثال الأوسكار؟!