مشكلة نوبل الحقيقية أن اللجنة المسئولة عن منح الجائزة ربما تجد في كثير من الأحيان حرجا بالغا في سحب الجائزة ممن أساء إلي سمعتها, أو أخل بقواعد حصوله عليها, أو علي الأقل أثبت أنه لا يستحقها! هذا الكلام ينطبق بالتأكيد علي أونج سان سوتشي زعيمة المعارضة في ميانمار بورما سابقا التي حصلت علي نوبل للسلام عام1991 تقديرا لكفاحها من أجل الديمقراطية في بلدها وإنهاء الحكم العسكري القمعي الذي استمر49 عاما وحماية أبناء شعبها من القتل والاضطهاد والتعذيب. فإذا كانت هذه هي مسوغات فوز سان سوتشي بالجائزة في حينه, فإن المؤسف في الأمر أنها الآن تبدو مصرة, وبغرابة شديدة, علي اتخاذ موقف أقل ما يوصف بأنه مخجل تجاه المذابح التي يتعرض لها المسلمون من أقلية الروهينجيا في ميانمار منذ يونيو الماضي والذين يبلغ عددهم800 ألف شخص ويعيشون منذ عقود في بلد أغلبية سكانه من البوذيين. فعلي الرغم من أن زعيمة الديمقراطية وبطلة السلام تعرف جيدا ما الذي تعنيه مصطلحات حقوق الإنسان والأقليات ومحاربة التمييز العرقي وجرائم الإبادة الجماعية والترحيل القسري, فإنها منذ تفجر أعمال العنف الطائفية في ولاية راخين, ومنذ أن شاهد المليارات في العالم كله عبر مواقع التواصل الاجتماعي أبشع الصور التي يمكن أن يشاهدها إنسان في حياته, ومنها صور المسلمين الذين تم إحراقهم إحياء علي أيدي المتطرفين البوذيين, وصور عمليات القتل الجماعية لكل من ينتمي إلي الروهينجيا من رجال ونساء وأطفال, لم يخرج عن لسانها الجريء كلمة واحدة تعلق بها عما يحدث في بلدها, وكأنها إما سعيدة بذلك, أو تراه طبيعيا, أو أنها نسيت لماذا فازت بنوبل من الأساس؟! من يونيو إلي نوفمبر, التزمت سان سوتشي الصمت التام, شأنها شأن العالم المتحضر وشأن عدد كبير من المنظمات الدولية وحركات حقوق الإنسان والمجتمع المدني, التي تصدعنا يوميا بتقاريرها عن الحريات والأقليات في دول عربية وإسلامية, كل حسب أهوائه. وحتي عندما تكلمت, لم يحدث ذلك إلا قبل أسابيع قليلة عندما أصدرت بيانا أصرت فيه علي أن موقفها سيظل محايدا في الصراع الذي يحدث بين المسلمين والبوذيين, هكذا بكل بساطة اعتبرت سان سوتشي أن ما يحدث للمسلمين من مذابح وما يواجهونه من خطط للتهجير القسري, سواء بتواطؤ حكومة يانجون أو بصمتها, هو مجرد صراع عرقي طرفاه مخطئان بدرجة متساوية, ونسيت أن هذه الأحداث أدت إلي مقتل المئات من المسلمين منذ يونيو الماضي وتشريد عشرات الآلاف منهم, في الوقت الذي تشهد فيه تقارير وسائل الإعلام الأجنبية بأن الجانب المسلم هو الضحية وأن الجانب البوذي هو الجاني, وأن الحكومة في أفضل الحالات تترك الجرائم تحدث دون أن تتدخل لإيقافها! كما لم يحرك أحد ساكنا, لا الأممالمتحدة ولا سان سوتشي, عندما تحدث رئيس ميانمار ثين سين عن أن الحل الوحيد لمشكلة مسلمي بلاده هو تهجيرهم إلي بنجلاديش!! والطريف أن الحكومة البريطانية التي تنبري مدافعة عن الأقليات في دول أخري عندما يصاب أي منهم بخدش بسيط أو في حادث جنائي عادي خرجت ببيان توكد فيه أنها مرتاحة لموقف سان سوتشي, متناسية أن هناك أقلية دينية أو عرقية في بلد ما تعاني الحرق والقتل والتشريد, ولا تجد من يدافع عنها, بمن فيهم أيقونة الحرية وحقوق الإنسان والديمقراطية في هذا البلد! الوحيد الذي تحدث بقوة من العالم الغربي عما يحدث في ميانمار كان الرئيس الأمريكي باراك أوباما خلال زيارته الأخيرة ليانجون, وحتي ذلك الحديث جاء بناء علي ضغوط من بعض المنظمات الدولية مثل مجموعة الأزمات الدولية ومقرها بروكسل وهيومن رايتس ووتش الأمريكية. والمعروف أن مسلمي الروهينجيا منذ أجيال في ولاية الراخين, إلا أن الراخين وآخرين من سكان ميانمار ينظرون إليهم علي أنهم مهاجرون غير شرعيين من بنجلاديش المجاورة لا يستحقون حقوقا أو تعاطفا, ويطلقون عليهم لقب البنغال أو كالار, وهو تعبير فيه تحقير للمسلمين. التقارير التي بثتها وكالة' رويترز' للأنباء طوال الفترة الماضية أكدت بما لا يدع مجالا للشك أن الهجمات علي المسلمين كانت منظمة, وكان يقودها قوميون من الراخين علي صلة بحزب سياسي قوي في الدولة بتحريض من رهبان بوذيين, ونقلت رويترز عن بعض شهود العيان قولهم إن الهجمات في بعض الأوقات كانت بتحريض من قوات أمن محلية. إذن فشلت سان سوتشي وهي بوذية في أول اختبار سياسي وأخلاقي لها منذ فوزها بنوبل وحتي كنائبة في البرلمان, ولا نعرف حقيقة ما هو رأي أعضاء لجنة جائزة نوبل حاليا وهم يستمعون إلي موقف سان سوتشي مما يحدث في بلادها, كما فشلت الحكومة الإصلاحية التي تشكلت في ميانمار قبل18 شهرا في معالجة أول مشكلة عرقية تلوح في الأفق في تلك الدولة التي تعتبر من أكثر دول آسيا من حيث التنوع العرقي. أخيرا: هل من النزاهة والموضوعية أن تقف علي الحياد بين الجاني والضحية؟! هل دور الحائز علي نوبل الحديث طوال الوقت في كل القضايا, والتزام الصمت عندما يأتي وقت الكلام؟!