شريف الغمري: الرئيس في أمريكا يصبح بعد فترة واحدة أو فترتين من وجوده في البيت الأبيض رئيسا سابقا, وهو اسم يحمله كل الرؤساء الأمريكيين, فكلهم يصبحون رؤساء سابقين وكلهم دون إستثناء لديهم احترام تام لمنصب الرئاسة فلم يعرف أحد من المؤرخين أن رئيسا قد إستغل وجوده في المنصب لتكوين ثروة أو تقديم مزايا غير مشروعة لأشخاص أو جهات أو جماعات حتي ترد له الجميل بعد أن يصبح رئيسا سابقا, إلا قليلا منهم ومازال إلي الآن بعد تركه لمنصبه تلاحقه الاتهامات والخزي لاستغلاله منصبه في جني مكاسب شخصية. والرئيس بعد أن يترك منصبه لا يتواري في زوايا النسيان بل يبحث لنفسه عن دور من خلال أوجه النشاط المتعددة والمتاحة والتي يمكن من خلالها أن يقدم خدمة لبلده وشعبه, وليس الدخول في نشاطات تجارية, فقد حسب عليه أنه كان رئيسا في يوم ما وعليه ألا يفعل ما يسيء إلي هذا المنصب الرفيع, وهذا الأمر يختلف بالطبع عن التحيز أو الدعم السياسي الذي يمكن أن يقدمه الرئيس لقوة سياسية ساعدته في الانتخابات مثل اللوبي اليهودي في الولاياتالمتحدة, وتلك حالة ينظمها ويسمح بها النظام السياسي الأمريكي الذي يوافق قانونا علي الدور الذي تقوم به جماعات الضغط داخل أمريكا لمصلحة دول أو قطاعات معينة داخل البلاد, وفي هذه الحالة فإن جماعات الضغط يمكن أن تساعد الرئيس في حملاته الإنتخابية. فكل الرؤساء يحرصون في أثناء ترشيح انفسهم للرئاسة علي كسب تأييد القوي التي يمكن أن تدعم حملتهم الانتخابية, ومن المعروف أن أكثرهم قدرة في هذا المجال اللوبي اليهودي. كتب كثيرة كانت قد صدرت في أمريكا علي مدي عشرات السنين الماضية تتحدث عن صناعة الرئيس الأمريكي وعن سياسات الرئيس في أثناء وجوده في البيت الأبيض, لكن كتابا صدر مؤخرا تناول الرؤساء من زاوية أخري مختلفة, وهي تلك التي تتعلق بحياة الرئيس بعدما يصبح رئيسا سابقا, الكتاب إسمه المواطن الأول: الحياة الثانية للرؤساء الأمريكيين للكاتبان الأمريكييان ليونارد بيناردو وجنيفر وايس, وهو يتحدث عن الرؤساء وكيف يعيشون بعد خروجهم من الرئاسة, ففي أثناء الوجود في البيت الأبيض يكون الرئيس هو أقوي شخص يملك التأثير علي الأحداث في العالم, لكن كل شيء يتغير عندما يترك الرئاسة, فما الذي يفعله الرؤساء عندئذ وكيف يكسبون عيشهم, خصوصا أن التاريخ يسجل أن بعضهم كانوا فقراء نسبيا وبعضهم كانوا أثرياء حتي قبل دخولهم إلي البيت الأبيض, فهناك من بدأ حياته بشكل متواضع, وهناك من كان ينتمي إلي عائلة أطلق عليها وصف العائلة المالكة تشبها بالعائلات المالكة في أوروبا مثل عائلة كيندي وعائلة بوش. ويوضح الكتاب أن منذ1797 عندما ترك جورج واشنطن منصب الرئاسة وحتي عام1958 لم يكن الرؤساء الأمريكيون يمنحون معاش التقاعد ومن ثم كان الوضع يقتضي أن يعيشوا علي المستوي الذي يتناسب مع دخل كل منهم, بينما كان هناك عدد من الرؤساء السابقين يعدن من الأثرياء, حيث كانوا يمتلكون الأراضي والعبيد مثل جورج واشنطن وتوماس جيفرسون وجيمس ماديسون وجيمس مونرو وأندرو جاكسون. وهنا يسجل التاريخ أن جورج واشنطن كان أكثرهم ثراء وإن مطالب الحياة دفعته بعد ذلك إلي بيع كثير من أراضيه لتغطية نفقات المعيشة, فقد كان ترومان علي سبيل المثال يعتبر فقيرا ومع ذلك فقد رفض فرصا كثيرة أتيحت له لكي يجني الأموال بدخوله في مشاريع تجارية حتي لا يلوث اسم المنصب الذي شغله في يوم من الأيام. وإن كان جيرالد فورد قد قبل العمل كعضو في مجالس إدارات بعض الشركات مما أتاح له تكوين ثروة, ولكن تبقي ذاكرة الشعب دائما تفرق بين رئيس وآخر. هذا الوضع تغيرفي عام1963 بعد أن صرف معاش التقاعد للرئيس عند إنتهاء فترة رئاسته وبذلك أصبح له دخل ثابت يعينه علي المعيشة. هناك مصدر للدخل حقق ثروات لبعض الرؤساء وهو الكلمة, فقد جمع رونالد ريجان وبيل كلينتون الملايين من إلقاء الخطب والمحاضرات السياسية التي يتم دعوتهما للتحدث فيها مقابل مبالغ هائلة, كما أن بعضهم مثل ريتشارد نيكسون ألف العديد من الكتب التي حققت له ثروة. ويعد جيمي كارتر من الرؤساء الفقراء عندما ترك منصبه ولكن استطاع أن يعوض ذلك بتأليف بعض الكتب التي عادت عليه بدخل معقول, وإن وجه اهتمامه الأكبر للقيام بأعمال إنسانية متطوعا في أنحاء العالم دون أن يتقاضي عنها أي أجر, فقد تنقل بين أمريكا اللاتينية وآسيا وأفريقيا ليدعو لمساعدة الفقراء وضحايا الحروب ومكافحة الأمراض كعمل إنساني تطوعي. كان معروفا أيضا أن بيل كلينتون سعي وراء هذا الهدف مثل جورج بوش الأب, واعتبر أن نجاحه في إقرار السلام في الشرق الأوسط والوصول إلي تسوية نهائية بين الفلسطينيين والإسرائيليين سوف يكون الإنجاز الذي يضع اسمه ضمن الرؤساء الأمريكيين العظام, لكن الحملة التي شنتها القوي الصهيونية ضده عرقلت قدرته علي إتخاذ قرارات حاسمة في السياسة الخارجية خاصة فيما يخص الشرق الأوسط وهو ما قضي علي أمله في أن يصبح الرئيس الأمريكي الذي توصل لتسوية نهائية لقضية الشرق الأوسط. لوحظ أيضا أن الأمريكيين يحكمون علي بعض الرؤساء أثناء رئاستهم بأحكام قاسية ثم يتضح لهم بعد بضع سنوات أنهم أخطأوا في أحكامهم, حدث ذلك مع ريتشارد نيكسون, فبعد فضيحة وتر جيت ورحيله عن الرئاسة تعرض لحملة تشهير شديدة في قدراته السياسية واختفي نيكسون فترة طويلة عن الأضواء ثم عاد بعد سنوات للظهور بمناسبة إصداره كتابا عن السياسة الخارجية, وكانت العناوين التي ظهرت في بعض كبريات الصحف الأمريكية هي عودة الملك بمعني أن نيكسون كان شخصية فذة في صناعة السياسة بعكس الحملات التي تعرض لها واعتبروه أكثر الرؤساء الأمريكيين فهما للسياسة الخارجية.