تفاقم الخلاف حول الإعلان الدستوري الذي صدر الخميس الماضي, وتحول الموقف سريعا إلي صراع مفتوح بين تأييد ومعارضة لشخص الرئيس وليس فقط قراراته فإن الأمر يحتاج إلي قراءة محايدة وموضوعية ليس فقط لنص أو مضمون الإعلان وإنما قبل ذلك للسياق الذي خرج فيه. أول ما يستحق التوقف عنده في هذا الصدد, هو مدي ضرورة الإقدام علي تلك الخطوة في ذلك التوقيت. باستقراء معطيات المشهد السياسي المصري, يمكن القول بثقة إن مصر كانت بحاجة فعلية إلي بعض الإجراءات التي وردت في الإعلان ثم في القانون والقرارات التي تلته. خاصة ما يتعلق بتصحيح مسار المحاكمات المتعلقة بأحداث الثورة وما بعدها. فقد كان هذا مطلبا أساسيا لكل من أيد الثورة المصرية أو زعم ذلك. وهو ما ينطبق أيضا علي مطلب تغيير النائب العام المحسوب (سياسيا وقانونيا) علي نظام مبارك. تلك الخطوات تصب في اتجاه تصحيح مسارات وأوضاع مختلة منذ الثورة. أما بقية بنود الإعلان الدستوري فهي ببساطة ذات أثر تحصيني ليس فقط لتشريعات وقرارات الرئيس, لكن أيضا للجنة صياغة الدستور ولمجلس الشوري. وهنا قد يختلف التقييم بشأن مدي ضرورة ذلك التحصين. فمجلس الشوري ليس أهم مؤسسيا ولا سياسيا من مجلس الشعب حتي يتم تحصينه استباقا لحكم متوقع من المحكمة الدستورية يفضي إلي حله. أما لجنة صياغة الدستور فقد كانت الساحة الأساسية لشقاق وتنابذ بين كثير من المكونات والتيارات السياسية, لذا لم يكن متوقعا أن يبادر الرئيس إلي تحصينها وهي علي حالها من تشكيل وأداء حولهما لغط كبير, حتي وإن كانت مثالب اللجنة لا تستحق كل ذلك اللغط الواسع. ما يحتاج بالفعل إلي بعض التفكر والتساؤل, هو تحصين قرارات الرئيس. فقد سبق لمؤسسة الرئاسة أن اضطرت إلي التراجع عن بعض قراراتها انصياعا لإرادة القضاء, وتجنبا لخلط السياسي بالقانوني في ميزان العلاقة بين السلطات. فإذا كان أحد أهداف الإعلان الدستوري الأخير هو إيجاد أرضية قانونية أو بالأحري أساسا دستوريا يمنع أيضا تأثر القانون بالسياسة في تعامل القضاء مع الإجراءات والقرارات الرئاسية; ربما كان علي الرئيس في سبيل ذلك تحري وسائل أخري تفوت علي المتربصين به والمتضررين من البعد التصحيحي في الإعلان, فرصة التذرع بشق التحصين للطعن في شرعيته. أو تأجيل ذلك التحصين الاستباقي, وانتظار موقف المؤسسة القضائية من الإجراءات الأخري. فإذا جاء غير متسق مع أهداف الثورة ومطالب المصريين المعلنة والمعروفة خصوصا ما يتعلق منها بالمحاكمات والقصاص للشهداء; فعندها كان سيصبح موقف الرئاسة أقوي كثيرا سياسيا وشعبيا وإن لم يكن قانونيا. ولأصبح تحصين قرارات الرئاسة وقتها مقبولا بل ربما مطلبا شعبيا. أما في المشهد الراهن, ونتيجة الغموض ونقص المعلومات, اجتمع علي رفض تلك الحصانة المطلقة, من يرفضون الاستبداد والدكتاتورية, مع من يخشون إسقاط النظام القديم وتتهدد مصالحهم ومصائرهم بالمحاكمات العادلة والقصاص للشهداء, وانضم إليهم من يتمني أو ربما يسعي إلي إسقاط مرسي ليقفز مكانه. لذا علي الرئيس إقناع المصريين بضرورة وجدوي الإعلان الدستوري عمليا. مثلا, بتفويض مجلس الشوري في الاختصاص التشريعي والرقابي لمجلس الشعب, لحين إجراء الانتخابات البرلمانية. وإصدار قرارات حازمة تعيد الانضباط والأمن إلي الشارع, وإجراءات عاجلة تخفف أعباء الحياة اليومية. علي أن يسبق كل ذلك إعلام الشعب المصري بتفاصيل ما ألمح إليه مرسي من مؤامرات تحاك. ففي المشهد الراهن المواطن المصري هو المرجعية الحقيقية التي ستفصل في شرعية الإعلان الدستوري وما به من تصحيح أو تحصين. المزيد من مقالات سامح راشد