يثار كثير من الجدل هذه الأيام حول طلب مصر إقراضها ما يوازي300% من حصتها في صندوق النقد الدولي بين مؤيد ومعارض ومؤيد علي مضض. وأنا أعتقد أن الحكومة نفسها يمكن أن تصنف من الفريق الثالث. والسبب في ذلك سمعة صندوق النقد الدولي التي دائما ما تسبقه في بلدان العالم النامي. فمن منا( الذين عاشوا السبعينيات) لم يبتسم حينما أطلق الراحل صلاح جاهين عليه صندوق النكد الدولي ومن منا لا يتذكر مظاهرات1977 ولم يمتعض حينما أطلق عليها الراحل أنور السادات انتفاضة الحرامية. وإذا كان المثل العربي يقول ان الدين هم بالليل وذل بالنهار فما بالك لو كان الدائن له مثل سمعة الصندوق التي دائما ما تقترن بإرغام وإجبار الدول المدينة علي أتباع سياسات التحول أو التغير الهيكلي والتي غالبا ما تكون متعارضة مع مفاهيم العدالة الاجتماعية والتي يقع عبئها بصورة أكبر علي الطبقات الفقيرة والمحدودة الدخل لأتباعها فلسفة السوق الحر وغير المقيد. ولعله يمكن تفهم وتفسير لماذا تقبل حكومة انتقالية مثل حكومة الدكتور قنديل والتي جاءت باختيار من رئيس مصري من الصعب وصفه بالتبعية وجاء بانتخابات حرة ويمثل جماعة دينية ذات تحفظات جمة علي موضوع القروض برمته ناهيك عن طبيعة المقرض وسمعته إذا تم عرض مبسط للوضع الاقتصادي المصري الراهن: لا شك أن الوضع الحكومي المالي في مصر وبكل المقاييس( عجز الميزانية الاحتياطي النقدي معدل البطالة معدل التضخم.. الخ) حرج وتواجه الحكومة ولأول مرة مشكلة سيولة قد يتهدد معها الأمن القومي لهذا البلد. ومن ثم لابد من إيجاد مصادر للإنفاق العام وعلي وجه السرعة. إن البديل الطبيعي وهو الاقتراض الداخلي قد تم استنزافه تقريبا حيث بلغ الدين المحلي حوالي85% من إجمالي الدين العام وأصبحت المنافسة علي موارد البنوك تحجب الاقتراض المفروض إعطاؤه للقطاع الخاص. كما أن ارتفاع سعر الفائدة المحلي أضاف أعباء علي الدين العام يصعب تحملها ولفترة طويلة. إن الاقتراض من الإخوة العرب أو بنك التنمية الإسلامي علي سبيل المثال عادة ما يكون بسعر فائدة أعلي من السعر الذي تم الاتفاق عليه مع صندوق النقد الدولي وفي بعض الأحيان بثلاثة أضعاف سعر الصندوق. أما زيادة الموارد عن طريق غلق صنبور الفساد وترشيد الإنفاق فهو الأمل الأكبر في زيادة الموارد.ولكن لا يمكن ترشيد الجهاز الإداري الحكومي علي وجه السرعة وغلق منابع الفساد كلها دون استصدار التشريعات المناسبة والمدروسة والتي عليها إجماع شعبي لن يتأتي هذا إلا بعد صدور الدستور والانتهاء من الانتخابات البرلمانية. إن قرض الصندوق كما جاء علي لسان ممثلي الحكومة أكثر من مرة هو بمثابة شهادة مصداقية واعتماد لقدرة الاقتصاد المصري علي الصمود وعلي النمو ويأتي معها كثير من الآثار الإيجابية غير المباشرة كارتفاع الدرجة الائتمانية العالمية وتسهيل الحصول علي قروض ومعونات من جهات عالمية أخري عديدة منها بنك التنمية الإفريقي والاتحاد الأوروبي علي سبيل المثال لا الحصر. إن ثقة المستثمرين محليا وعالميا دائما ما ترتبط بالمؤشرات العالمية التي يكون اتفاق الصندوق جانبا أساسيا منها. إن قرض الصندوق هو اتفاق اختياري وليس ملزم. بمعني أنه حتي بعد التوقيع مع الصندوق لا تلتزما الحكومة المصرية أن تأخذ القرض جله أو كله. بل يمكنها أن تأخذ جزءا منه فقط إذا تحسنت الأوضاع الاقتصادية!. ومن ثم علي المعترضين علي التوقيع مع الصندوق ألا يقوموا بالانتقاد فقط- فكلنا أو معظمنا نعرف هذه الانتقادات جيدا وأكثر منها- دون تقديم البدائل العملية.