تتميز الانتخابات البرلمانية البريطانية المقرر اجراؤها يوم الخميس المقبل بأنها معركة القضية الواحدة, فكل الخبراء يتوقعون أن يكون الحزب صاحب أفضل برنامج لمعالجة آثار الأزمة الاقتصادية علي رأس الفائزين في تلك الانتخابات. التي تأتي في وقت تعد فيه بريطانيا واحدة من أكثر الدول الأوروبية التي تأثرت سلبا بالأزمة المالية العالمية.ولذلك نجد أن الأحزاب البريطانية خاصة الحزبين الكبيرين وهما العمال والمحافظين يليهما حزب الأحرار الديمقراطيين تكرس معظم برامجها ودعايتها للجانب الأقتصادي, وهو أمر خلق نوعا من تفتيت أصوات الناخبين بشكل بات معه من المحتمل ألا تسفر الانتخابات عن حصول أي حزب علي أغلبية مطلقة تسمح له بتشكيل الحكومة بشكل منفرد, وبالتالي تأتي ببرلمان معلق قد يزيد الأزمة الاقتصادية تعقيدا. والحقيقة التي يدركها الجميع هو أن عام2009 يعتبر العام الأسوأ في تاريخ الاقتصاد البريطاني منذ الأزمة المالية الكبري الأولي بين عامي1929 و1932, فقد أجبرت الأزمة الحالية حكومة حزب العمال برئاسة الخبير المالي جوردون براون علي ضخ مبالغ كبيرة جدا لانقاذ بعض المصارف التي عانت من نقص حاد في السيولة, كما أدي برنامج التحفيز الاقتصادي إلي ارتفاع حجم الدين العام البريطاني ليبلغ12 في المائة من الناتج المحلي وهي أعلي نسبة دين تتكبدها الحكومة البريطانية في غير أوقات الحروب وبالتالي فإن الاقتصاد والاقتصاد وحده هو الذي سيحدد الفائز في انتخابات الخميس المقبل وحتي الأن فإنه لايبدو أن هناك حزبا بعينه سيتربع علي عرش الحكومة في بريطانيا كما كان يحدث علي مدي العقود الماضية حيث كان العمال والمحافظون يتبادلون تاج السلطة التنفيذية تاركين التاج البروتوكولي للملكة اليزابيث الثانية التي ترتديه منذ حوالي60 عاما. ونظرا لأن تحول احتمال ظهور برلمان معلق إلي حقيقة لن يكون إلا علي حساب حزب المحافظين المعارض والذي كانت استطلاعات الرأي العام ترشحه للعودة للسلطة بعد13 عاما قضاها في الظل, فقد سارع الحزب إلي التحذير بأن خيار البرلمان المعلق قد يضر بسعر الجنيه الاسترليني وبالتالي استخدم أيضا القضية الأقتصادية لدفع الناخبين البريطانيين للحسم لصالحه كما أن الجولة الثالثة والأخيرة من سلسلة المناظرات التلفزيونية الحية بين قادة الأحزاب البريطانية الكبري الثلاثة تركزت حول مناقشة خطط تلك الأحزاب لإخراج البلاد من أزمتها الحالية. وتأتي في مقدمة القضايا الاقتصادية المثارة علي طاولة النقاشات الانتخابية خاصة في المناظرات بين رؤساء الأحزاب والتي تحدث للمرة الأولي في تاريخ بريطانيا أم الديمقراطيات في العالم قضية الدين الحكومي المتراكم والذي بلغ حدا غير مسبوق بسبب خطط الإنعاش الحكومي وإنقاذ المؤسسات والبنوك, وبفضل تلك الخطط تمكنت حكومة جوردون براون من السيطرة علي معدل التضخم وسعر صرف الجنيه الاسترليني في الحدود المعقولة وهو مايعزز فرصه الانتخابية. ورغم أن قائمة اهتمامات الناخب البريطاني تضم بعد الاقتصاد العديد من القضايا الأخري مثل مسألة توريط حزب العمال للبلاد في حربي العراق وافغانستان الا أن آخر استطلاعات الرأي العام كشفت النقاب عن أن قضية الهجرة الأجنبية لبريطانيا تحتل المرتبة الثانية مباشرة وتحظي باهتمام كبير نظرا لوجود اعداد هائلة من المهاجرين في بريطانيا, ولكن الملاحظ أن الأحزاب السياسية البريطانية الكبري تتعامل بحذر شديد في تناول مسألة الهجرة حتي لاتعطي مبررات للاحزاب اليمينية المتشددة لدخول المعترك الانتخابي بقوة من اجل اجتذاب اصوات اليمين الذي يحمل المهاجرين قدرا كبيرا من المسئولية عن الأزمة الاقتصادية التي تعيشها بريطانيا. والمحصلة هي أن قضية كيفية مواجهة الأزمة المالية هي التي ستكون القضية المحورية التي ترسم خريطة البرلمان البريطاني المقبل وبعدها بمسافة بعيدة ستأتي قضية الهجرة.