أجري الحوار في المنامة: سامي كمال أيها الربيع العربي كم من الجرائم ترتكب باسمك.. قول قد ينطبق علي أماكن كثيرة في عالمنا العربي اليوم, بعد أن اختلط الحابل بالنابل, ورفع الجميع لافتة أو شعار الربيع العربي عنوانا لتحركاته وتنفيذ مخططاته, ولم يعد أحد يعلم أين الحقيقة في كل ما يجري علي ساحتنا العربية من أحداث. البحرين تلك المملكة الخليجية الصغيرة القابعة في وسط الخليج, والتي لا تزيد رقعتها الجغرافية علي765 كيلو مترا مربعا, ويتجاوز عدد سكانها بمن فيهم الوافدين العاملين فيها المليون نسمة بقليل, تعيش أزمة حقيقية منذ فبراير2011 تزامنت, كما يؤكد كثير من البحرينيين, مع الثورات التي شهدتها بعض الدول العربية, وتم رفع مطالب بدت محدودة, لكنها سرعان ما تحولت لدي البعض إلي دعوات لاسقاط النظام, بل المبادرة إلي اعلان قيام جمهورية اسلامية في البحرين تأسيا بالنمط الايراني!. ورغم محاولات الحوار والوصول إلي توافق بين مختلف الأطراف لانهاء الأزمة فإنها ظلت تتصاعد حيث شهدت الأيام الأخيرة تصعيدا نوعيا لأعمال العنف والتخريب, ليفاجأ البحرينيون بتفجيرات أسفرت عن سقوط ضحايا كانوا هذه المرة من العمال الآسيويين البسطاء الذين جاءوا إلي البحرين بحثا عن مصدر رزق, وسبقها تفجيرات استهدفت رجال الأمن وأودت بحياة عدد منهم. الأهرام التقت وزيرة الدولة لشئون الاعلام في البحرين سميرة رجب, للتعرف منها علي حقيقة مايجري, وما إذا كانت تتوقع للأزمة البحرينية نهاية في المستقبل المنظور, أم أن تلك الأزمة مرشحة لمزيد من التصعيد في منطقة بدأت العديد من دولها تشهد قلاقل واضطرابات, يؤكد المراقبون أن خيوطها تتجمع لدي جهات خارجية, كما ترتبط بأحداث أخري في الاقليم, لكنها في النهاية تسعي لتحقيق أهداف بعينها.. وكان هذا الحوار: تتحدثون عن مؤامرة تعرضت لها البحرين وأحداث عنف وتخريب, بينما يصر آخرون علي أنها ثورة وجزء من الربيع العربي, ورفع هؤلاء مطالب شعارها الاصلاح.. كيف تنظرين إلي هذه المعضلة؟ دعنا نضع النقاط علي الحروف.. فالبحرين بدأت ثورتها الاصلاحية, وليست الانقلابية, في عام2000 بميثاق العمل الوطني الذي تم الاستفتاء عليه في عام2001 وحظي بموافقة شعبية كاسحة بلغت98.4%, وبعد ذلك بعدة أشهر تم تفعيل الدستور البحريني بمتطلبات العصر. وأهم ما تم في صياغة الدستور المعدل هو دخول المرأة البحرينية كشريك وفاعل أساسي في العملية السياسية, والأمر الآخر هو تأسيس وبدء عمل السلطة التشريعية والفصل بين السلطات بأحدث المعايير العصرية. هذه أمور واعتبارات تم تفعيلها والعمل بها بإرادة سياسية, وماتم وضعه من أسس ونصوص في الدستور البحريني تم استخلاصه من تجارب المنطقة, وأهم ما ركز عليه عاهل البحرين الملك حمد بن عيسي آل خليفة في هذا المجال, هو وضع تشريعات تمنع حل المجلس الوطني( البرلمان) الذي يضم مجلسي النواب والشوري, فاستمرار المجلس الوطني وتراكم الخبرات والأعراف البرلمانية في البحرين, هو أمر أساسي في المشروع الاصلاحي للملك. هناك تعديلات دستورية أخري استحدثت في العام الماضي2011 عقب الأزمة التي شهدتها البحرين.. ما هي أهم ملامحها؟ أهم توصية من توصيات حوار التوافق الوطني الذي عقد بمشاركة جميع مكونات المجتمع البحريني في يوليو2011, كانت بتعديل الدستور, وهو التعديل الذي أعطي المجلس الوطني دعما أكبر بزيادة صلاحياته الرقابية والمساءلة. وقد أصبح للبرلمان بموجب هذا التعديل دور أساسي في تشكيل الحكومة بمجملها كشراكة مع الملك في تعيين رئيس الوزراء والوزراء, كما حدد التعديل صلاحية الملك في حل البرلمان, وربطها باستشارة وموافقة رئيسي مجلسي النواب والشوري ورئيس المحكمة الدستورية. هل يمكن القول إنه انتقال جديد في العملية الإصلاحية التي تشهدها البحرين علي مدي12 عاما تقريبا؟ بالفعل.. فهناك عملية اصلاحية جادة وقوية وتأخذ في الاعتبار معظم المشاريع الموجودة في العالم من حولنا والأسانيد القانونية والديمقراطية المهمة. فالبحرين رغم الضعف الاعلامي في إظهار صورتها القوية والحقيقية, فإنها تعيش تفاعلات قوية وتشهد تغييرات جذرية للدخول في عصر فيه الكثير من الوعي والإرادة الشعبية بكل معانيها. هل ترين أن ما تتضمنه هذه التعديلات وما تحتويه من تغييرات مهمة قد وصلت بالفعل إلي مختلف فئات وتيارات المجتمع البحريني ؟.. ولماذا الاعتراض من بعض التيارات إذا؟! نعترف بأن التعديلات الدستورية وما اشتملت عليه من تغييرات مهمة لم تأخذ حقها من الشرح والتوضيح.. فالبرلمان لدينا اليوم يملك كامل الصلاحيات التشريعية والرقابية والمساءلة, إضافة إلي مشاركة فعلية ورئيسية في تعيين مجلس الوزراء, وهي تجربة نحن كفيلون بها وتتناسب مع حيثيات التعددية الموجودة في واقعنا البحريني. وقد سألت صحفيا فرنسيا التقيت معه: وماذا بقي أكثر من ذلك؟, فقال لي: حكومة منتخبة, فرددت عليه: وهل الحكومة المنتخبة شرط من شروط الديمقراطية في كل المجتمعات الديمقراطية ؟!.. فليست كل الديمقراطيات في العالم أخذت بمعيار الحكومة المنتخبة, وليس هذا هو الشرط الرئيسي في الديمقراطيات, فلكل ديمقراطية معاييرها الخاصة. رغم أن الحديث يتردد عن حوار مقل, فإن واقع الحال وما تشهده البحرين من عنف وتخريب يضع هذا الحوار في مهب الريح.. هل هناك أمل في دخول البحرينيين في حوار ينهي هذه الأزمة؟. نحن نتحدث الان عما يطرح من حوار بعد انتهاء الأزمة الأمنية في البحرين تقريبا, وبعد الدخول في المرحلة الأولي من حوار التوافق الوطني الذي تم في يوليو2011, والذي شاركت فيه المعارضة ثم انسحبت من الجلسة الثالثة لجلسات الحوار, التي بلغت12 جلسة تقريبا واستمرت علي مدار شهر كامل. وبسبب عدم تواصل المعارضة في هذا المؤتمر, ومن أجل الوصول إلي التوافق النهائي, فإننا بحاجة إلي الدخول في مرحلة حوارية جديدة نستكمل فيها ما لم يستكمل في المرحلة الأولي.. وهذا هو المطروح الآن وبمنهجية واضحة تماما لدي السلطة في البحرين, وهي منهجية تستند علي طرح رؤي لتحقيق التواصل بين مختلف الأطراف البحرينية للاتفاق علي الجلوس علي طاولة حوارية واحدة. ما الذي يمنع بدء الحوار إذا حتي الآن؟ المعارضة لاتزال تلف وتدور للخروج من هذه المنهجية بهدف أن يقتصر الحوار عليها كطرف وحيد في مقابل الحكومة والسلطة مباشرة.. وهذا أمر لا يمكن القبول به بأي حال من الأحوال, لأن هناك قوي مجتمعية مختلفة ولا تمثلها هذه المعارضة بأي شكل من الأشكال.. عليهم جميعا أن يتوافقوا علي ما يجب أن تنفذه الحكومة بعد ذلك. هل ما يحدث في البحرين الآن من تفجيرات وآلية جديدة في ممارسة العنف والتخريب يمكن تجاوزه والدخول في حوار في ظل هذه الظروف الصعبة؟! أعتقد أن هذه التفجيرات وأعمال العنف التي تقوم بها أو تتبناها المعارضة في البحرين لن تهدد الحوار, فالحوار مطلوب في كل الأحوال.. ولكن المشكلة أن هذه الأحداث ستضعف المعارضة, ونحن نريد أن تكون هناك معارضة اصلاحية في البحرين, وليست معارضة راديكالية متطرفة. والحوار لا يمكن أن يتم مع طرف يؤمن بتدمير الوطن, ولكن يتم بين جماعات لها إرادة حقيقية في التوجه نحو الإصلاح والبناء وليس التدمير.. والتطرف لن يحل أي مشكلة بين أي طرف وآخر. هناك انتقادات للاعلام الرسمي في البحرين, وأن تحركه خلال الأزمة لم يكن علي قدر مستوي تحرك التيارات المعارضة, بل بدأ ضعيفا في مواجهة الهجوم الاعلامي المنظم والمبرمج الذي تعرضت له البحرين من أطراف أخري في الخارج.. بماذا تردين علي هذه الانتقادات؟ نحن كشعوب عربية أو دول خليجية ليست لدينا استراتيجيات هجومية وحتي استراتيجياتنا العسكرية دفاعية وقائية, وهذا بدوره ينطبق علي كل المستويات في المنطقة.. فنحن شعوب مسالمة لا نملك مشاريع مضادة لأي طرف من الأطراف الاقليمية أو الدولية, ولم نمنهج سياساتنا أو أدواتنا أو دولنا للهجوم أو التعرض لأطراف خارجية سواء في الاعلام أو في مستويات أخري. ومن هنا بدأت المشكلة.. فعندما دخلنا في الأزمة الأمنية العام الماضي2011, اكتشفنا أن هناك أطرافا أعدت وبرمجت ونظمت نفسها اعلاميا وعلي مستويات أخري لالحاق الضرر بالبحرين والهجوم المباشر عليها, واكتشفنا أن لدينا قصورا في عدم معرفة هذه المنهجية التي تحاك ضدنا. فهناك دول اقليمية تملك كما مهولا من المؤسسات الاعلامية وتمارس عبرها التحريض المستمر ضد البحرين, سواء بتأليب الشعب أو الشباب وتشويه الثقافة وتشويه صورة البحرين ونشر وترويج الأكاذيب.. كما أن هذه الدول تقوم بالتحريض أيضا ضد عروبة البحرين, ونشر العقائد والفتن الطائفية.. تحدثت عن عروبة البحرين وتحريض بعض الدول الإقليمية عليها.. إلي أي مدي تشعرين بالفعل أن عروبة البحرين مهددة؟ نعم.. ودعني أتوجه إلي الشعب العربي من خلال الأهرام وأن أرفع صوتي من قلب الأمة العربية, من مصر, وكوزيرة للإعلام وكامرأة عربية, أناشد العرب جميعا أن يعوا بأن البحرين تتعرض لهجوم يهدد كيان وهوية البحرين العربية.. وهذا أمر من الضروري أن نستوعبه علي جميع المستويات. ومن يحاول أن يظهر أحداث البحرين عكس ذلك, فهو جزء من هذا المخطط والتهديد الحقيقي الذي يمارس عبر فبركات وأكاذيب بأحجام ومستويات لم تتعرض لها البحرين عبر تاريخها.. فهناك مشاريع تحاك في المنطقة, وهناك أطراف اقليمية ودولية تريد أن تستفيد من هذه المشاريع لتحقيق أغراضها. وفي الخليج بدأ تنفيذ المخطط من البحرين وهناك استهداف لهويتها وعروبتها.. وأتمني أن يعرف العرب كل ذلك, وأن يستوعبوا حقيقة ما يحدث.