مشروع' الطريق إلي نوبل' هو الحلم الذي راود الباحثين بالمركز القومي للبحوث منذ زمن بعيد خاصة المغتربين منهم والذي حرصوا أن يعودوا إلي وطنهم بعد حصولهم علي الدكتوراه من الخارج ليحققوا لمصر أمالا وطموحات كثيرة. وبدأ المشروع بالفعل عام2006 بالمركز القومي للبحوث لاستقطاب العقول المصرية التي درست وتعلمت بالخارج من خلال12 مجموعة بحثية في أقوي المجالات العلمية, وتم دعمه ماديا ومعنويا بتوفير كافة الإمكانيات والمعامل في المراحل الأولية. وفجأة تغيرت القيادات وتغير اسم المشروع ليكون مشروع التميز العلمي وزادت المعوقات البيروقراطية, ليخفت الحلم ويتحول لكابوس ويهاجر عدد من الباحثين إلي الخارج مرة أخري يحملون مزيدا من الإحباط واليأس من إمكانية تحقيق أحلامهم بمصر. أما الذين أصروا علي الاستمرار واستكمال مشروعاتهم العلمية, فقد تجمد نشاط العدد الأكبر منهم وأصبح يعمل بوظيفة باحث, وحاول الآخرون الحصول علي تمويل كامل من الخارج لكي يستطيعوا الاستمرار. ورغم ذلك لم يسلموا من المشاكل, فلا دعم مادي ولا معنوي, فضلا عن التعقيدات الإدارية الرهيبة, وكل هذا من أجل أن يظل البحث العلمي حبيس الأدراج والرفوف, وتظل مصر تنظر بحسرة وألم إلي بقية دول العالم التي لحقت بقطار العلم, ولا تدخل فعليا عالم العلم والتكنولوجيا, بينما تستفيد دول الغرب بجهود وأبحاث العلماء المصريين المهاجرين الذين قتلت أحلامهم في وطنهم, وهكذا يكتب علينا أن نصدر عقولنا الموهوبة للعالم ونظل مستوردين للعلم والتكنولوجيا. علمت الأهرام من مصادر داخل المركز القومي للبحوث رفضوا ذكر أسمائهم أن المشروع في غرفة الإنعاش ولا يمكن إحياؤه لأنه لا أحد يهتم ولا يريد التطوير بل بالعكس بدأ المركز في عمل مشروع آخر يؤدي نفس الغرض بباحثين آخرين, مما يجعلنا نتساءل في حيرة عن أسلوب الإدارة الفذ الذي يحكم المركز فيجعله يهدر طاقات الباحثين ومشروعاتهم ثم يعيد الكرة مع باحثين آخرين؟ تقول للدكتورة أميرة جمال الدين أستاذ بقسم الكيمياء الحيوية ورئيس معمل بيولوجيا السرطان إن المعمل بدأ بثمانية مشاريع بحثية عن علاجات جديدة لمرض السرطان من مواد طبيعية وقد نجحنا في المراحل الأولية من خلال أبحاث ودراسات للعلاج الديناميكي الضوئي واكتشفنا دور الخلايا الجذعية السرطانية في تكوين الأورام السرطانية. ونحن كمجموعة بحثية نمول جميع مشروعاتنا من الخارج ولا نستفيد من المركز نهائيا, ورغم ذلك لا نجد أي تعاون من المركز بل هناك معوقات إدارية كثيرة تسبب لنا مشاكل حيث يتعاملون مع معاملنا علي أنها لا وجود لها ويحاولون التخلص منها بطرق ملتوية, ولا أعرف السبب وراء ذلك كما وبدأوا يتعاملون معنا علي أننا موظفين حيث صدر مؤخر قرارا بغلق المعامل الساعة الثانية ظهرا للقضاء علي البحث العلمي. كما بدأت الإدارة تقول إن مشروع الطريق إلي نوبل والمسمي حاليا بمشروع التميز ليس له صفة إدارية ولابد أن يرجع كل باحث إلي قسمه الأساسي مما يعوق البحث العلمي, فرغم تخطينا للمشاكل المادية إلا أنهم يحطموننا معنويا. وتضيف الدكتورة نهلة إسماعيل عبد السلام أستاذ مساعد الطاقة الجديدة بمشروع التميز العلمي نوبل سابقا: رغم أن المشروع يضم أكثر من40% من المشروعات التي تدر دخلا علي المركز إلا أنه لا يوجد أي اهتمام نهائيا بمشاكلنا. فنحن نعمل في ثلاثة مشاريع رئيسية وهي الطاقة الشمسية وطاقة الهيدروجين وتحلية مياه البحر, ونحن10 باحثين رئيسيين نعاني معاناة شديدة من الروتين. والمشكلة الرئيسية أننا كنا نستعين بالطلاب المتميزين ليعملوا معنا لتوجيههم في رسائل الماجستير ولتكوين مجموعات بحثية منذ البداية لاستكمال الأبحاث من خلال المشاريع البحثية الممولة من الخارج, ومن خلالها نتكفل بالطالب كليا فهو يعين علي المشروع مما يساعده في البحث العلمي, كما نستفيد منه ونعلمه التكنولوجيا الحديثة ويحصل علي راتب شهري أثناء فترة المشروع. وبسبب قرار رئيس وزراء بعدم التعيين في المراكز البحثية التابعة للدولة, رفض المركز تعيين طلاب جدد أو حتي دخولهم لمعاملنا, وحاولنا أن نشرح للإدارة أن هذا القرار لا يسري علي الباحثين التابعين لمشروع التميز خاصة وإنهم لا يكلفون المركز أية أعباء إدارية أو مالية ولكن لا حياة لمن تنادي. ورفض المركز نهائيا الاستعانة بالباحثين الجدد مما أثر علي الأبحاث العلمية فأصبحت تسير ببطء نتيجة عدم وجود طلاب وهذا يؤثر علي مستوي الخريجين التي كانت لديهم فرصة كبيرة للتعرف علي التكنولوجيا الحديثة والتعلم من خلال خبرات أخري وبهذه القضية ينتهي أحد الأهداف الرئيسية للمشروع وهو إنشاء جيل متميز في البحث العلمي. ومن جانب آخر, فإن الباحثين الذين لم يستطيعوا أن يكملوا مشروعاتهم البحثية نتيجة للمعوقات المادية, تركوا المركز القومي للبحوث من أجل تحقيق أحلامهم في البحث العلمي وهذا ما أكده الدكتور احمد عبد المنعم أستاذ هندسة المواد بالمركز سابقا ورئيس قسم هندسة المواد في إحدي الجامعات الخاصة حاليا ويقول: كنت أعمل في إنتاج الهيدروجين كمصدر للطاقة وبدأنا المشروع بحماس ولكن بعد فترة توقف شراء أجهزة أخري وتجديد للمعامل حتي يمكننا استكمال الأبحاث التي تم البدء فيها, فكان لابد أن أترك مشروع الطريق لنوبلوالمركز القومي للبحوث من إيجاد معامل بديلة, والآن أنا في مراحل متقدمة من هذه الأبحاث بعد توفير جميع الإمكانيات وتجهيز المعامل وحققت الذي لم استطع تحقيقه في المركز القومي. وأشار إلي أن مشكلة البحث العلمي لا تكمن في النواحي المادية فقط ولكن هناك معوقات ومناخا لا يساعد علي الإبداع او التركيز وإغراق الباحث في مشاكل إدارية وروتين يؤثر علي عمله فلابد من تغير المنظومة كلها للنهوض بالأبحاث العلمية وأن يكون هناك مناخ ملائم للباحث وهذا غير متوافر نهائيا. أما الدكتور محمد لطفي أستاذ المواد بمعمل النانو تكنولوجي فيشير إلي أن معظم الباحثين يشعرون بالإحباط الشديد نتيجة انهيار أحلامهم في تحقيق طموحاتهم العلمية. لأننا بعد حصولنا علي الدكتوراة من الخارج والتحاقنا بهذا المشروع كنا نتمني أن نحقق مستوي علميا متميزا. بدأنا في تجهيز المعامل بطريقة بسيطة والعمل وكان لابد من تطوير تلك المعامل لتواكب المجال الذي نعمل به, ولكن لا أحد يهتم بشراء الأجهزة حتي نستطيع تكملة ما بدأناه. فالأبحاث شبه متوقفة بسبب ضعف الموارد وعدم وضوح رؤية لمشروعات البحث العلمي بالمركز القومي. وفي المركز لا أحد يهتم بعمل خطط للتنفيذ وليس هناك استراتيجية وخاصة في السنوات الأخيرة. المركز شبه متوقف من الناحية التنظيمية والعلمية, فلا تتوافر حتي المواد التي نستخدمها في الأبحاث, ونحن نعمل بشكل فردي ونبحث عن فرص للتعاون العلمي الأجنبي لننفق علي أبحاثنا وجميع المشروعات القائمة بالمركز يتم الإنفاق عليها بالجهود الذاتية. مشروع الطريق الي نوبل ينهار. ورغم حدوث طفرة مادية في مرتباتنا وهذا شيء جيد إلا أننا عاجزون عن تحقيق طموحاتنا العلمية واستكمال مشروعاتنا البحثية بسبب البيروقراطية. ونحن نتساءل من المسئول عن هذه المهزلة؟ والي متي سيظل البحث العلمي في مصر بلا أهداف أو إستراتيجية؟ وكيف بعد أن تم تشكيل المجموعات البحثية المتميزة تنتهي بهذه الصورة المهينة؟ ولمصلحة من ما يحدث؟