أثار الحديث عن قيام إثيوبيا عقب ثورة25 من يناير بإجراءات تنفيذية لبناء سد النهضة, مخاوف دولتي المصب مصر والسودان, وذلك في ضوء ما أشارت إليه بعض الدراسات البحثية من أن هناك آثارا سلبية سوف تلحق بمصر والسودان, أهمها العجز المائي الذي سيلحق بالحصة المائية المصرية بحوالي10 مليارات متر مكعب سنويا, وانخفاض القدرة الإنتاجية من الكهرباء المولدة من السد العالي وخزان أسوان بمقدار500 ميجاوات سنويا. الأمر الذي يمثل تحديا خطيرا لمصر, في ظل ثبات الحصة المائية لها والمقدرة5,55 مليار متر مكعب سنويا وازدياد أعداد السكان, فضلا عن التأثيرات السلبية لظاهرة التغيرات المناخية. وهو ما يقتضي التعرض لقواعد القانون الدولي المنظمة لتشييد السدود المائية. فمن الثابت أن القانون الدولي قد أعطي للدول الحق في استخدام مواردها الطبيعية الموجودة علي أراضيها بقصد تحقيق الصالح العام لشعوبها, ومن بين ذلك الحق في إقامة السدود إلا أنه قيد هذا الحق بقيدين جوهريين. الأول: عدم تسبب الدولة الراغبة في بناء السد في إلحاق الضرر بباقي دول المجري المائي, ويعتبر مبدأ عدم الإضرار من المبادئ الجوهرية في مجال الأنهار الدولية. حيث نصت عليه المادة الرابعة من إعلان سالزبورج1961, والمادة الخامسة من قواعد هلسنكي1966, وبرلين2004, كما نصت عليه المادة السابعة من اتفاقية الأممالمتحدة بشأن الاستخدامات غير الملاحية للمجاري المائية الدولية لعام.1997 أما القيد الثاني فيتمثل في التزام الدولة الراغبة في إقامة السد بإجراءات الأخطار المسبق, والمتمثلة في وجوب قيامها بإرسال كل الدراسات والبيانات الفنية المتعلقة بالسد إلي جميع دول المجري المحتمل تضررها من بنائه, وتلتزم قانونا بعدم البدء في البناء والانتظار حتي تتمكن باقي الدول من دراسة وتقييم الآثار المحتملة في فترة معقولة. كما لا يفوتنا في هذا المقام التعرض لسياسة البنك الدولي في تمويل بناء السدود, والتي تقوم علي التزام الدولة صاحبة المشروع بإجراءات الإخطار المسبق, ووضع البنك الدولي عدة مبادئ في هذا الشأن أهمها ضمان عدم الإضرار بباقي دول المجري المائي. وقد رفض البنك تمويل المشروعات المائية للهند عام1949 عندما اعترضت بعض الدول عليها, وبتطبيق قواعد القانون الدولي علي وضع سد النهضة نجد أن أثيوبيا قامت بإعمال البناء الفعلي للسد دون اكتراث بهذه القواعد وتحديدا الإخطار المسبق, وأن اتفاقها مع مصر والسودان علي تشكيل لجنة ثلاثية لا يعد اخطارا مسبقا إنما يأتي في إطار علاقات المجاملات الدولية. فأثيوبيا ملتزمة بعدم الإضرار بمصالح مصر والسودان المائية. بموجب اتفاقية ترسيم الحدود الموقعة من ملكها منيليك الثاني وبريطانيا في عام1902, والتزمت بموجبها بعدم إقامة أي مشروعات علي النيل الأزرق والسوباط يكون من شأنها التأثير السلبي علي تدفق المياه للنهر. كما أن أثيوبيا ملتزمة باحترام الأحكام الواردة باتفاق التعاون الذي وقع بين البلدين في القاهرة عام1993, والذي تضمن عدم الإضرار بمصالح مصر المائية. ومن ثم فلا يجوز لإثيوبيا التنصل من هذا الاتفاق بحجة عدم تصديق برلمانها عليه. ونؤكد هنا علي أن مصر لا ترفض إقامة أثيوبيا للمشروعات المائية تحقيقا لأهدافها التنموية, ولكن ترفض الإضرار بحقوقها المكتسبة في مياه النيل, فقد ساهمت مصر في إنشاء سد بوجاجالي بأوغندا بعد أن التزمت أوغندا بالإخطار المسبق. ونأمل أن تتوصل مصر وإثيوبيا لتفاهمات بشأن سد النهضة انطلاقا من العلاقات الوثيقة بينهما. وتصبح اللحظة الثلاثية علاقة مؤسسية دائمة تضم الدول الثلاث في دائرة النيل الشرقي. وتأسيسا علي ما تقدم أقترح توثيق الدراسات الخاصة بالآثار السلبية المحتملة علي مصر ومخاطبة الاتحاد الأفريقي, والأممالمتحدة والبنك الدولي, وكذا الدول الممولة لبناء السد وشرح الموقف المصري لها وبيان التداعيات التي سوف تلحق بمصر.كما أنه يجب التنسيق مع السودان لتوحيد الموقف القانوني والسياسي من بناء هذا السد. وكذلك يجب التنسيق بين الجهات المعنية بملف مياه النيل وبين وسائل الإعلام المصرية وأيضا بين الوفود التي تسافر إلي أثيوبيا, وإحاطتها بموقف مصر القانوني منعا للاضرار بموقف المفاوض المصري أو بالعلاقات بين البلدين. د/ محمود يوسف وكيل كلية الاعلام - جامعة القاهرة