لايزال الحديث عن تسجيلات المكالمات الهاتفية مستمرا, بل ويزداد, لاسيما في الأوساط السياسية. الأيام الماضية كان هناك أكثر من تصريح علي ألسنة شخصيات بارزة أشارت إلي أن هناك تسجيلات لبعض الشخصيات السياسية, الأمر الذي أثار ردود أفعال غاضبة ربما وصلت إلي ساحات القضاء. لكن السؤال الآن: هل لاتزال التسجيلات مستمرة حتي بعد ثورة25 يناير؟! ومن الذي يقوم بها؟! وما هي حقيقتها؟! وماذا يقول القانون؟! وكيف نحمي حقوق الإنسان وخصوصيته؟ توجد تقنيات.. هذه التقنيات قد لا تكون في أيدي الجهات الرقابية فقط, بل يمكن استخدامها في التنصت علي المكالمات باعتبار أن الشبكات المستخدمة في نقل الصوت والصورة هي شبكات رقمية, وحيث إنه من مبادئ وقواعد أمن المعلومات أن كل النظم المعلوماتية الرقمية جائز اختراقها, وأنه من أحد أشكال الاختراقات استخدام برامج للتنصت والتجسس, وبذلك يجوز أن تتوافر هذه التقنيات مع غير الجهات الرقابية الرسمية. هذا ما أكده القاضي الدكتور محمد محمد الألفي رئيس الجمعية المصرية لمكافحة جرائم الإنترنت, مشيرا إلي أنه جاء قانون الاتصالات في مواده العقابية, بدءا من المادة73 وجرم قيام الموظفين القائمين علي شبكات الاتصالات بالتنصت والتجسس والتحوير والتحريف والعبث والتزوير في كل ما يستخدم عبر الشبكة بين العملاء, وهذه دلالات علي أنه يمكن استخدام بعض الموظفين ضعاف النفوس في التسجيل والتنصت علي بعض المكالمات. وقد جاء في المادة309 مكرر من قانون العقوبات كما يقول د. محمد: يعاقب بالحبس مدة لا تزيد علي عام كل من اعتدي علي حرمة الحياة الخاصة للمواطن, وفي غير الأحوال المصرح بها قانونا, أو بغير رضاء المجني عليه كل من تنصت أو سجل أو نقل عن طريق جهاز من الأجهزة محادثات جرت في مكان خاص, أو عن طريق التليفون, وتكون العقوبة مشددة إذا قام بهذه الأفعال الموظف العام اعتمادا علي سلطة وظيفته. وكثيرا ما ننصح مستخدمي التطبيقات الحديثة عبر الإنترنت أو عبر شبكات الاتصالات, في نقل الصوت أو الصورة أنه ليس من الصعب اختراق هذه المكالمات وسماعها, وهناك العديد من النماذج, سواء من زملائنا وأصدقائنا وجيراننا كما يشير د. محمد الألفي المبتعثين في الخارج للدراسة أو العمل, ويقوم بالتواصل مع زوجته وأولاده عبر غرف الدردشة في المواقع المختلفة, أنه من المتاح اختراق هذه الخصوصية والتنصت علي المكالمة, أو الاطلاع علي ما يدور في تلك الغرف من تواصل بين هذا الشخص وأسرته. وبالفعل حدثت بعض جرائم الاختراق بأن يقوم الجاني بالتقاط صور في أثناء المحادثة عبر غرفة الدردشة للزوجة والأولاد, ويقوم بابتزازهم بعد ذلك, وهنا يكون قد ارتكب أكثر من جريمة, حيث التقط صورا لأشخاص بغير رضائهم, واسترق السمع وسجله, وأنه يقوم بابتزاز المجني عليهم بما حصل عليه بطريق غير مشروع, لذلك فإن كل ما يتم نقله من بيانات وصوت وصورة عبر الشبكات المختلفة هو عرضة للاختراق. وفي سياق آخر يؤكد المستشار زكريا عبدالعزيز أنه لا يجوز التنصت علي المكالمات التليفونية, أو تعقد البريد أو فتحه إلا بإذن من القاضي, ولكي يأذن القاضي لابد من أن يكون هناك محضر يشير بجدية إلي وقوع جريمة فعلا, لأن الاستماع إلي المكالمات التليفونية وتسجيلها, أو فتح البريد أو ما يماثله من أفعال يعتبر دليلا, فإن لم يستمد هذا الدليل من طريق مشروع, اعتبر هو والعدم سواء. وإذا كانت هناك جهة ما أيا كانت تلك الجهة تملك الأجهزة التي عن طريقها يمكن التنصت واستخدمتها دون إذن من القاضي, فإن هذا الدليل لا يصلح للإدانة أمام القضاء. ويتفق معه محمد زارع عضو المجلس القومي لحقوق الإنسان, إذ يقول: إن الدستور المصري والقانون وجميع المواثيق الدولية التي وقعت عليها الحكومة المصرية تحمي الحقوق والحريات, وتؤكد أنه لا يجوز التنصت أو التجسس علي الحياة الخاصة للمواطنين, والاستثناء الوحيد أن يكون عن طريق القضاء, فهو وحده المختص بذلك, وهو دون غيره المنوط بإعطاء الإذن بالتنصت وتسجيل المكالمات أيضا, وغير ذلك يعد جريمة يعاقب عليها القانون. إلي جانب أن كل دليل يتم جمعه بشكل غير قانوني يتم إهداره, بل ويعد دليل إدانة علي الشخص الذي قام بالتسجيل بدون إذن قضائي. ويندهش محمد زارع من أن هناك قيادات سياسية وليست أمنية هي التي تتحدث في الوقت الراهن عن التنصت, وهذه نقلة تختلف عن العصور السابقة, فكان قديما من يتجسس علي المكالمات هي الأجهزة الأمنية, وهذا تغير نوعي خطير. ومثال علي ذلك ما أثير حول تصريحات النائب العام قد قبل منصب سفير الفاتيكان, وأنه قال ذلك عبر مكالمات تليفونية, وأنه وافق علي قبول المنصب, كما أن تداعيات هذه الواقعة دفعت النائب العام في حينها للاستعلام من مؤسسة الرئاسة حول صحة ما أثير من هذه التسجيلات. ويختتم زارع كلامه بضرورة احترام خصوصية وحقوق الإنسان, وأنه لابد من إغلاق ملف التسجيلات بحيث لا تتم إلا بالشكل القانوني الهادف.