من بين السهول والمروج الخضر, ومن فوق الهضاب والتلال العتيقة المحملة بروح الشرق الأصيل, جاءت من أرض الشام الشهباء كيمامة زرقاء ترنو نحو الأفق البعيد حاملة ذلك السحر الدمشقي الدافئ لتخلط ماء' بردي' ب' نيل' القاهرة في سياق فني يجمع جوانب الأسطوري بالواقعي علي شاشة السينما والتليفزيون من خلال أعمال طبعت اسمها بحروف من نور في كتاب التاريخ الفني الحديث لتكمل مسيرة زائدات شاميات برعن في فن التجسيد والتمثيل, وزينوا الشاشة العربية بإبداعهم الخلاب. إنها' جومانة مراد' صاحبة الأنوثة الطاغية في أبهي وأجمل صورها, في عينيها الكحيلتين السابحتين في بحار من فضة يبدو بريق خاطف نحو مواطن الشجن وسحر الشرق الأموي, وفي صوتها دفء حميمي يحملك علي بساط الريح نحو مواطن الرومانسية التي تلامس شغاف القلوب, وفي حضورها الطاغي يمكنك أن تدرك عذوبة اللحظات العفوية, وفي أدائها التمثيليي حتي في أعقد المواقف الدرامية تنساب الحروف من بين شفتيها مفسرة طلاسم النص في سهولة ويسر, فتبدو الكلمات وكأنها شراب سائغ مستمد من أريج برتقال ورمان مع مزيج تفاح وكروم وخوخ يعلو جبهتها ويلمع مع إطلالة وجهها في خجل أمام الكاميرا. علي جناح موهبتها دشنت' عصر سينما الأحلام' من خلال أدوار متعددة عزفت فيها علي أوتار المشاعر بحرفية تتسق مع سواد شعرها الناعم المتشح بلون الليل منتظما في جدائل من شموخ الحارات والأزقة والشوارع الدمشقية والحلبية في جل عزها التليد, ومع ذلك فهي تتعامل مع الفن بطموح شديد,ومع نفسها ببساطة, ومع أحلامها بواقعية, توظف موهبتها لخدمة فنها, وتستخدم عقلها للحفاظ علي وهج الموهبة وصفاء السريرة,وتأتي ابتسامتها بمثابة خط دفاع الأول عن نفسها,بينما يظل تمردها سلاحها الوحيد ضد كل ما يعوق خطواتها. استطاعت بصبر وإصرار أن تحقق في سنوات قليلة ما تريده,بحيث وصلت إلي مكانة خاصة بين قرائنها من نساء السينما, فهي النجمة السورية الوحيدة التي فتحت قلوب المصريين وجلست وتربعت علي عرش مخملي مطوق بريش نعام, وحققت نجاحا كبيرا,فكثير من بنات بلدها وفي سياق البحث عن الشهرة والنجاح تكاثرت أمامهم عقبات الطريق الفني لتشكل حاجزا منيعا لم تستطع واحدة منهن إختراقه مثلما جومانة التي تسلحت بالمعرفة والخبرة والموهبة,ومضت مع موهبتها المقرونة بالإجتهاد الذاتي متخطية كل الصعاب,فإذا بها متألقة تزرع بذور النجاح لتحصد نجومية الفن والمستقبل. هذه الأيام تعيش الفنانة الشابة حالة نشاط فني مكثف حيث تصور حاليا فيلمها الجديد' الحفلة' تأليف إنتاج وائل عبدالله,إخراج أحمد علاء, وتشارك في بطولته مع أحمد عز, محمد رجب, روبي, أحمد السعدني, كما تعاقدت علي بطولة فيلم إخر للمنتج محمد السبكي بعنوان' شافعي التلت', وتقرأ حاليا أكثر من سيناريو مسلسل لتستقر علي واحد منها, ليعرض خلال شهر رمضان المقبل. جومانة أكدت ل الأهرام سعادتها البالغة بشخصية' نانسي' التي تجسدها في فيلم' الحفلة' لأنها مكتوبة بشكل أكثر من رائع,لدرجة جعلتها تسابق الوقت لتقف أمام الكاميرا وتقوم بتجسيدها,فهي شخصية جديدة عليها وستكون بمثابة مفاجأة لجمهورها الذي تعود له سينمائيا مرة أخري من خلال هذه الشخصية التي تعتبر من أقرب الشخصيات التي جسدتها مؤخرا إلي قلبها,وما يزيد من سعادتها' جو' التصوير,والروح الطيبة بين كل فريق العمل الذي تتعاون معه لأول مرة, فكل من أحمد عز,محمد رجب,السعدني يتميزون بروح الدعابة مما يضفي علي العمل بهجة وسعادة, كما أن العمل مع المخرج أحمد علاء مريح جدا, فهو- علي حد قولها- مخرج مثقف,ولديه فهم لأدق التفاصيل الإخراجية,ويبدي ملاحظاته بحنو شديد. وعلي الرغم من السعادة وحالة النشاط الفني التي تعيشها حاليا جومانة إلا أن الدموع لمعت في عينيها عندما تحدثنا عن سوريا حيث قالت: أحن إلي صدر أمي سوريا, وأتمني أن تعود كما كانت عفية معافاة يعمها السلام وأن يصبح الخير عنوان أهلها الطيبين الوادعين, ويتوقف نزيف الدم الذي يراق يوميا بلا ذنب لأبناء شعب سوريا الحبيب, لنعود ونغني مع فيروز: شام يا ذا السيف لم يغب يا كلام المجد في الكتب/ قبلك التاريخ في ظلمة بعدك استولي علي الشهب/ لي ربيع فيك خبأته ملأ دنيا قلبي التعب/ يوم عيناها بساط السما و الرماح السود في الهدب/ تلتوي خصرا فأومي إلي نغمة الناي ألا إتنحبي/ أنا في ظلك يا هدبها أحسب الأنجم في لعبي/ طابت الذكري فمن راجع بي كما العود إلي الطرب/ شام أهلوك إذا هم علي نوب قلبي علي نوب/ أنا أحبابي شعري لهم مثلما سيفي و سيف أبي/ أنا صوتي منك يا بردي مثلما نبعك من سحبي/ ثلج حرمون غذانا معا شمخا كالعز في القبب/ وحد الدنيا غدا جبل لاعب بالريح و الحقب.