علي الرغم من أهمية الحوار الدائر الآن حول التنمية الاقتصادية ورفع مستوي الدخول لمواجهة أعباء المعيشة, فإن الشيء الذي لا يهتم به أحد هو القيم الاجتماعية والأخلاقية السائدة في المجتمع الآن. التي نعتقد أنها تشكل أساس نجاح أي تنمية أو نهضة, بل انها السند الحقيقي للشعوب في تحقيق نهضتها وبدونها يكون الحديث فقط عن تمجيد الذات أو تضخيمها دائما, وان اكتشاف عيوب ونقائص الشعوب وتدني القيم الاجتماعية أمر هام فالاخلاق أصابها نوع من الإهمال وعدم الاهتمام من جانب كثير من الدول والحكومات ومؤسسات المجتمع المدني أيضا, تلك هي القضية التي فرضت نفسها منذ أيام علي جدول أعمال المجلس العربي للتربية الأخلاقية وجامعة النهضة في مؤتمر موسع شارك فيه بأعمالهم نخبة من كبار العلماء والمفكرين والأدباء ورجال الدين وعلماء النفس في لجان متخصصة لمناقشة الظاهرة من جميع أبعادها وأسبابها وكيفية تجنب مخاطرها خاصة بعد تفشيها وانتشارها بشكل متسع بين جموع الشباب بصفة خاصة وسقوط فئات كثيرة منهم في شباك العولمة وتياراتها الخادعة التي لا تتناسب مع قيم مجتمعنا العربي وتقاليده الراسخة وحضارته العريقة التي تأسست في المقام الأول علي الأخلاق وأستطيع من خلال متابعتي لهذا المؤتمر والوقوف علي كل ما جاء في مناقشات وأبحاث العلماء حول هذه الظاهرة أن أعرض لبعض الملاحظات المهمة التي أثارت اهتماماتهم مع بعض مقترحاتنا لدعم توجهاتهم بهدف اقتلاع الظاهرة من جذورها, وتوضيح دور الحكومات العربية بالذات في حماية شبابنا العربي من مخاطرها في المرحلة المقبلة وذلك علي النحو التالي: إن قطاعات كبيرة من شبابنا في مصر والوطن العربي انزلقت في السنوات الأخيرة إلي انحرافات فجة وانحدرت إلي سلوكيات من الرذائل بعضها مقرون بالعدوانية علي الغير بل وعلي الذات أيضا. إن البعض الآخر من الشباب استمرأ الهروب من الواقع والوقوع في أحلام اليقظة والاندفاع نحو المجهول في مخاطر غير محسوبة ومغامرات حرجة سعيا وراء أوهام يزينها لهم محتالو العولمة وعصابات المتاجرة بالبشر. لم يغفل الخبراء إحدي الظواهر اللا أخلاقية التي جذبت بعض قطاعات الشباب العربي عامة والمصري خاصة المتمثلة في اندفاعهم إلي هجرة غير شرعية وهي في جوهرها عمل وسلوك لا أخلاقي ترفضه جميع الشرائع الدينية والقوانين والاتفاقيات الدولية بالإضافة إلي ما تسببه هذه الظاهرة من إحراج الدولة التي يمارس شبابها مثل هذه الأفعال سياسيا وأمنيا. أظهر الخبراء قلقهم من انجذاب بعض قطاعات الشباب الذين خدعتهم بعض مظاهر العولمة الثقافية فراحوا يقلدون الشباب الغربي في عاداتهم وتقاليدهم في المأكل والملبس وأصبح شبابنا في أحيان كثيرة متلقيا سلبيا لكل قيم العولمة وهذا التلقي السلبي أفقدهم انتماءهم الوطني وكان سببا في إهمالهم لقيمهم العربية الأصيلة وتراثهم العربي والإسلامي العريق. غياب القدوة: من الملاحظات المهمة التي أشار إليها د. احمد اسماعيل حجي مقرر المؤتمر وتأكيده أن هذا الغياب أسهم بقدر كبير في ضياع قطاعات كبيرة من الشباب فتاهوا عن الطريق الصحيح الذي يحفظ لهم هويتهم وان العودة إلي القدوة أمر ضروري الآن قبل فوات الأوان لإنقاذ شبابنا العربي وهو ما أشار إليه ايضا الباحث سعيد المغاوري أستاذ الآثار والحضارة الإسلامية, وحتي لا تضيع جهود العلماء والخبراء الذين جمعهم هذا المؤتمر الأخلاقي العلمي التربوي في الهواء لنا بعض المقترحات الآتية: أن يتم تفريغ كافة المناقشات والحوارات التي أبداها الخبراء في هذه القضية بعد تنقيتها وطبعها في كتاب يضاف إلي مقتنيات مكتبة جامعة النهضة والمجلس العربي للتربية الأخلاقية. أن يتبني رئيس المؤتمر د. صديق عفيفي إرسال نسخ من هذا الكتاب إلي رؤساء الأجهزة الإعلامية المسموعة والمرئية والفضائيات المصرية والعربية الحكومية والخاصة للاستفادة بكل الأفكار التي طرحها الخبراء في برامجها المختلفة التي تبثها للشباب العربي بوجه عام. أن تتبني هيئة قصور الثقافة إقامة ندوات مماثلة عن قضية الأخلاق في جميع قصورها الثقافية بالأقاليم يشارك فيها أساتذة التربية بالجامعات الإقليمية والأدباء والمفكرون من أبناء المحافظات لنشر الوعي بهذه القضية بشكل متسع. أن تكون قضية الأخلاق موضوع مسابقات أدبية وشعرية يشارك فيها الأدباء والشعراء بالجامعات وتمنح فيها الجوائز لأحسن الأعمال الأدبية والشعرية باعتبار أن الأخلاق هي أساس بناء الأمم وبقائها واستمرارها. وأخيرا فقد جاءت تصريحات وزير التربية والتعليم د. أحمد زكي بدر عقب واقعة قيام بعض تلاميذ إحدي مدارس السيدة زينب بتصوير أحد زملائهم عاريا في الحمام بعد نزع المايوه الخاص به وتوزيع صوره عبر أجهزتهم المحمولة متوافقة مع دعوة المؤتمر بالتركيز علي الأخلاق في المرحلة المقبلة, وتأكيد الوزير أن ما قام به التلاميذ يتنافي مع أخلاقنا الحميدة وأن الرحلات المدرسية جزء من العملية التعليمية وليست استثناء من القيم والأخلاق والمبادئ التي يتحلي بها الشعب المصري وأن المدرسين لم يقوموا بالدور المنوط بهم في نشر الأخلاق ولهذا فقد لزم العقاب.