لم يكن ممكنا توقع الانهيار الدراماتيكي في العلاقات السورية- الحمساوية التي مثلت لسنوات عدة أحدي لبنات محور الممانعة, وبني أي تشكك في هذا التصور علي أن حماس لا يمكن أن تضحي بشبكة المصالح السياسية والاقتصادية والأمنية والعسكرية التي نسجتها عبر سنوات من التمكين في سوريا التي تعني الحاضنة من استهداف إسرائيل لقياداتها. كما تعني استمرار الرعاية والدعم الايراني الحليف الوفي لسوريا, لكنه حدث واختارت حماس التخلي عن الملاذ الآمن والتمويل السخي بعد أن هبت الثورة السورية ولم يعد بعد فترة منها مقبولا لدي طهرانودمشق أن تقف حماس في خندق الحياد. سقطت دماء محسوبة علي حماس برصاص جيش الأسد, رغم أن موسي أبو مرزوق نائب رئيس المكتب السياسي للحركة يؤكد ل الأهرام أن القرار هو عدم حمل السلاح, لكن أنصار الحركة كانوا خلف خطوط المقاومة المعارضة يقدمون الخدمات الطبية والإسعافات, لكن هذا لم يعد مقنعا للنظام الذي اتخذ قرارا بإغلاق مكاتب حماس في البلاد, ويبدو أن القيادات كانت تستشعر الموقف فأخذت خطوة استباقية بنقل أوراقها ومتعلقاتها من المكاتب ووزعتها بين القاهرة وتونس وقطر حيث توزعت القيادات. ويتفق كثيرون علي أن تردد حماس في ركوب طائرة المغادرة بلا عودة من مطار دمشق انتهي بعد فوز الإخوان في انتخابات الرئاسة ووصول الرئيس محمد مرسي إلي الحكم في مصر, لكن مصادر أكثر دقة اتفقت أيضا علي أن مصر استفادت من خلع حماس من محور الممانعة السابق من بوابة قطع الطريق علي إيران لاستمرار اللعب في الساحة الغزاوية ومن ثم المصرية عبر سيناء حيث يتدفق السلاح تحت شعار دعم المقاومة. ورغم أن حركة الجهاد الإسلامي كانت الأقرب إلي إيران إيديولوجيا إلا أنها كانت تأخذ حصتها من الدعم الإيراني حماس, رغم ملاحظات طهران أن حماس تواجه المد الشيعي في القطاع وتتعامل بقسوة مع محاولة إنشاء حسينيات, كما دخلت في حرب ضروس مع أنصار مذهبها, لكنها ظلت تغض الطرف عن تلك السياسيات مستخدمة صقور حماس في التقريب حتي تغيرت الدفة في سوريا وبات مطلوبا أن تصطف حماس في معسكر النظام وهو ما رفضته الحركة من اللحظة الأولي. ردت إيران بتقطير الأموال وباتت حماس في خندق العدو للدرجة التي اعتبرت فيه الصحيفة الأقرب إلي مرشد الثورة الإيرانية علي خامئني أن مشعل بهذه المواقف نسي السنوات التي كان يعيش فيها تحت الحماية السورية خلال إقامته وعمله في دمشق, يتصرف وكأنه عميل صهيوني. فهو مستعد للتضحية بشعب فلسطين مقابل طموحاته الشخصية!, وهي نفس النغمة التي عزف التلفزيون السوري علي أوتارها فور تعقيبه علي مشاركة أبو الوليد في مناسبتين الأولي في تركيا حيث مؤتمر حزب الحرية والعدالة وخلاله أعرب القيادي الحمساوي عن ترحيبه بالثورات بما يعد تأييدا للمعارضة السورية والوقوف إلي صفها رحبنا بثورة مصر وتونس وليبيا واليمن, ونرحب بثورة الشعب السوري نحو الحرية والديمقراطية, ونريد أن يتوقف سيل الدماء الزكية من هذا الشعب. لا تعارض بين أن نتبني الديمقراطية والإصلاح وبين دعم المقاومة. وتابع مشعل, نحن مع تطلعات الشعوب نحو الحرية والعدالة والديمقراطية والكرامة والاستقلال الحقيقي. مشعل كان أكثر وضوحا في استنكاره لما يحدث في سوريا خلال مؤتمر الفتح الصلاحي الذي كان ضيفا رئيسا عليه بقلعة صلاح الدين في القاهرة بعدها وهو ما أكد موقفه نهائيا. بالتوازي سافر إسماعيل هنيه رئيس حكومة حماس وأبرز المرشحين لخلافة مشعل لقيادة الحركة إلي طهران ولم ينجح في إعطاء انطباع بأن الأمور مستقرة, ومن بعده سافر محمود الزهار لكنه عاد مثقلا بردود الأفعال الإيرانية التي جاءت في سياق البعد عن التفاصيل وإن لم تكن حماس في معسكر إيران سوريا حزب الله فمن المؤكد أنها في المعسكر المعادي.. بدا إن موقف المعارضة السورية لم يلم حماس في موقفها في مهد الثورة لكنه كان يتوقع النتائج مسبقا. ويقول المعارض السوري أحمد رياض غنام مؤسس تكتل أحرار الشام ل الأهرام: لم يكن مطلوبا من حماس سوي مجرد موقف أخلاقي وهو الوقوف إلي الشعب السوري, وعليها إن ترد له هو الجميل وليس لغيره فهو الذي احتواها. حماس لم تنكر رد الجميل, بل علي العكس قال الدكتور موسي أبو مرزوق علاقتنا بالشعب السوري كانت اسبق من علاقتنا بالنظام. هو مفترق طرق في النهاية يقطع به أبو مرزوق ويقول بات هناك مفترق طرق لا يمكن أن تلتقي فيه الأطراف بعد أن اتخذ النظام السوري قراره بإغلاق مكاتب الحركة, لكن هذا لا يعني نهاية حماس في دمشق فالحركة لها أنصارها هناك وهم موجودون في أكثر من مكان, لكن موقف المكتب السياسي من الثورة السورية هو الذي ترجمه النظام بهذه التحركات. ويبدو أن مفترق الطرق لم يكن إزاء الأسد فقط بل كان أيضا في اتجاه الحليف, يقول أبو مرزوق طبعا.. وبلا شك موقفنا علي هذه الصيغة وتقييمنا للوضع يختلف تماما عن وضعيتهم وتصورهم له وبالتالي ليس هناك توافق وإنما افتراق. لم يجزم أحد من المصادر ومنها إخوانية في مصر بان الحركة سيكون لها مستقرها المستقبلي في القاهرة, حتي القيادات مثل أبو مرزوق لم يصرح لهم بالعمل السياسي كما كان النهج في دمشق, بل عن بعض المطلعين علي الملف في الرئاسة يري أنه من غير الممكن أن تكون القاهرة هي القبلة الجديدة بالنظر إلي حساسية المواقف مع الولاياتالمتحدة وبالتبعية مع إسرائيل.