استنكر علماء الدين الأحداث التي تشهدها سيناء من اشتباكات وقتل لأفراد الشرطة, وترويع للآمنين, وقطع الطرق, مؤكدين انها ممارسات تنتقص من هيبة الدولة وتخالف مبادئ الشريعة الإسلامية. ودعا علماء الدين إلي حوار مجتمعي مع عناصر ما يسمي بالسلفية الجهادية تحت مظلة الأزهر الشريف ووزارة الأوقاف والهيئات والمؤسسات الدعوية لمواجهة الفكر بالفكر, ووقف نزيف الدماء وإعادة الأمن والأمان إلي نفوس المواطنين. ويصف الدكتور سعد الدين الهلالي,أستاذ ورئيس قسم الفقه المقارن بجامعة الأزهر, أحداث سيناء بأنها دموية وعسكرية وليست فكرية, وأصحابها يلتفون حول فكرة أو عقيدة ويتهمون نظام الحكم بأنه غير إسلامي فإذا كان الأمر كما يقولون, فهل من الصواب قتل أفراد الشرطة وهم ليس في يدهم حكم, وإنما وظيفتهم فقط تحقيق الأمن الاجتماعي؟ وهل يجوز المساس بالجنود العسكر الذين يحمون حدود بلادنا؟! وأضاف قائلا: إن كل تلك الممارسات تنتقص من هيبة الدولة قبل الشعب, مطالبا من يقومون بتلك الأفعال الدموية المشينة أن يعلنوا ماذا يريدون وما هي المواد المخالفة للشريعة حتي تتم دراستها ومعرفة مدي مخالفتها لوجه فقهي دون وجه, فهناك أوجه فقهية متعددة تختلف فيها الرؤي, وينبغي أولا لمن كان صادقا في حربه ومناوشاته من أجل الشريعة أن يعلن ما هي المواد المخالفة للشريعة والموجودة في الدستور حتي يتم بدء حوار مجتمعي من المتخصصين في الفقه لبيان مدي صحتها, وعلي المجتمع أن ينادي بجمع جميع فقهاء مصر وهم كثر في رابطة تسمي رابطة الفقهاء من أجل الحديث وبيان أحكام الشريعة في الحلال والحرام, وأنه لا يجوز أن نوكل بيان موافقة المواد القانونية للشريعة من عدمها لغير هؤلاء حتي لو كانوا من مشاهير الدعاة, لأن الدعاة ليسوا متخصصين في الدراسة الفقهية التي تعرف أصول استنباط الفتوي وتمارسها. ووجه الدكتور الهلالي رسالة إلي من يقومون بتلك الأحداث الدموية في سيناء, قائلا: إن كانوا من أصحاب مشاريع سياسية فعليهم اتخاذ القنوات السياسية, وإن كانوا أصحاب مشاريع فقهية فعليهم سلوك القنوات الفقهية والفكرية, وإن كانوا أصحاب مشاريع عسكرية فطريقهم الوحيد الصدام والبغي علي النظام المصري المستقر, وهذا الطريق الأخير هو عدوان علي النظام المصري المستقر باتفاق الفقهاء لعدم وجود ما يبرره, فليتحملوا مصيرهم. دعوة للحوار من جانبه يوضح الدكتور القصبي زلط أستاذ التفسير وعلوم القرآن وعضو هيئة كبار علماء الأزهر, أن الإسلام دين سلم وسلام, وان الله سبحانه وتعالي لم يأمر بالقتال إلا ردا للعدوان أو حماية للمستضعفين عندما يفتنون في دينهم, فنري مثلا قول الله سبحانه وتعالي: وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين, ويقول تعالي أيضا: وقاتلوهم حتي لا تكون فتنة, وإذا نظرنا أيضا لمعاملة الإسلام لغير المسلمين نري السلم والسلام واضحين, فعندما كون الرسول صلي الله عليه وسلم مجتمع المدينة جعل المسلمين واليهود أمة واحدة, ومن هنا فغير المسلم له حقوق المواطنة كاملة, بصرف النظر عن المعتقدات, وتلك هي الخطوط العريضة التي نعرفها والمباديء التي استقرت في الأذهان وجاء بها الإسلام, ولكن عندما ننظر إلي الواقع سنري بعض الفصائل تجعل الإسلام دين عنف وإرهاب وترويع للآمنين, وقد يكون هذا المنهج والسلوك نتج عن خطأ في فهم مباديء الإسلام وسماحته, وللأسف عندما يرتكب العدوان علي الآمنين باسم الدين فهذا مكمن الخطر, ولذلك فينبغي أن تفهم الفصائل كلها علي اختلاف مناهجها أن ترويع الآمنين جريمة ينكرها الإسلام, ويكفي أن نستمع إلي قول الرسول صلي الله عليه وسلم: (من أشار إلي أخيه بحديدة فإن الملائكة تلعنه حتي ينتهي وإن كان أخاه لأبيه وأمه) وما يحدث من جرائم علي أرض سيناء لا يمكن أن يقره دين أو شرع أو قانون أو ضمير, فعلي أي أساس تراق هذه الدماء, وكيف تراق باسم الدين أو بفهم خاطيء للإسلام ومبادئه. ويضيف القصبي زلط أنه إذا كان هناك فصيل يتبني العنف والإرهاب وتكفير الناس فليفهم أن كل هذا سلوك مرفوض في الإسلام, فالرسول صلي الله عليه وسلم يحذر من التكفير وكلنا يعلم قوله صلي الله عليه وسلم:( من قال لأخيه يا كافر فقد باء بها أحدهما), ثم أن العلماء جميعا اتفقوا علي أنه لو كان للكلمة ألف وجه مكفر ووجه واحد يبعد الإنسان عن التكفير فلتحمل هذه الكلمة علي الوجه الواحد وليترك الباقي مع كثرته. ودعا الأزهر وعلماءه إلي الحوار مع جميع الفصائل وما تتبناه من وجهات نظر وما تقوم به من عنف وإرهاب, فهناك كما نعلم الجماعة الإسلامية التي تبنت هذا السلوك فترة من الزمن وأعلنت مراجعتها لأفكارها بالحوار وبالتأمل الدقيق في النصوص التي فهموها علي غير وجهها, وإزالة الشبهات حتي يجتمع الكل صفا واحد, وتحت راية واحدة. تطبيق حد الحرابة أما الدكتور عبد الفتاح إدريس استاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر فيري غياب المعلومات الكاملة حول الاحداث التي تشهدها سيناء وطبيعة تلك الجماعات التي تتبني العنف والتكفير, وموقفها من قوات الأمن الموجودة هناك, والتي تمنعها من ممارسة التهريب والأعمال الإجرامية, كما يري ضبابية هذه المعلومات, فالبعض يقول إنه لا توجد أفراد يمثلون جماعات إسلامية يشكلون إرهابا نفسيا أو ماديا لأي أحد في هذه المنطقة, وإنما كما يقولون مجرد وسيلة لإبلاغ رسالة إلي المسئولين في الدولة لاستعادة جهاز أمن الدولة الآمر الناهي في العهود السابقة, ولأجل هذا أحداث سيناء كما يصدرها البعض هي مجرد تمثيلية هزلية لتوجيه رسالة إلي من بيدهم الأمر في الدولة لاستعادة عرش جهاز أمن الدولة المفقود وهذا الاتجاه يمثل فئة كبيرة من المفكرين والقانونيين والسياسيين في الدولة, وهناك اتجاه آخر يشير إلي وجود بعض العناصر في مناطق بعينها ولكنها لا تمثل إرهابا لأحد وإنما تمارس نوعا من تصفية المواقف بينها وبين بعض قوات الجيش والشرطة التي تمنعها من ممارسة نشاطها الإجرامي والتجاري الممنوع عن طريق الممرات والأنفاق بين رفح وغزة. ويؤكد أن تلك الأسباب والدوافع لا تبرر ترويع الآمنين, مشيرا الي ان ذلك حرمه الإسلام, مطالبا بتطبيق حد الحرابة علي هؤلاء, وذلك مصداقا لقوله تعالي:إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادا أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض ذلك لهم خزي في الدنيا ولهم في الآخرة عذاب عظيم, وروي عن الرسول صلي الله عليه وسلم أنه قال:( اتقوا روعة المؤمن فإن ترويع المؤمن شيء عظيم).