لست علي ثقة ان النخبة السياسية المصرية تابعت عن كثب تفاصيل حملة الانتخابات الامريكية التي تصل الي محطتها النهائية اليوم. ولكن لدي قناعة كاملة بان هذه النخبة سواء كانت علي دراية ام لا بما يجري علي الساحة الامريكية لم تتعلم الكثير من اداء مثيلتها هناك. المنافسة الضارية بين السياسيين الامريكيين والخلافات الحادة بينهم تطغي بطبيعة الحال علي مناقشاتهم. ولا تقل التناقضات العميقة بين مواقفهم حدة عن تلك الموجودة بين القوي السياسية المتصارعة في مصر. غير ان لغتهم تبقي دائما بعيدة عن الاسفاف والتطاول والإهانات الشخصية. قد يكذب السياسي او يذكر انصاف الحقائق او يتلاعب بالكلمات ولكنه لا يصادر حق خصمه في التعبير عن رأيه, ولا يوجه له كلمات نابية او اتهامات مرسلة. في خريف 2009 كنت اتابع خطابا للرئيس اوباما امام مجلس النواب حول مشروعه للرعاية الصحية عندما قاطعه النائب الجمهوري جوي ويلسون صارخا انك تكذب. ورغم كل الانتقادات والاتهامات الصحيحة والباطلة التي يكيلها الامريكيون لرئيسهم فلم يغفر احد للنائب تطاوله علي رئيس الولاياتالمتحدة. سيطرت حالة من الغضب العارم علي الساحة السياسية والإعلامية لإهانة الرئيس. ولم تهدأ العاصفة إلا بعد اعتذار النائب رغم انه لم يكن معرضا لأي اجراء قانوني. حتي الجمهوريين انفسهم تبرءوا مما فعل زميلهم لأنهم يعرفون ان الشعب لن يسمح بإهانة رئيسه المنتخب. القيم الديمقراطية المترسخة هناك تجعلهم علي وعي بوجود فارق هائل بين انتقاد المسئول وإهانته من قبل شخصية لها اعتبارها. وان الاساءة الي رمز الدولة هي اهانة للشعب الذي اختاره وهذا غير مقبول. لا يحتاج المرء إلا لدقائق يتجول خلالها بين البرامج الحوارية ليدرك كم سنة ضوئية علينا ان نقطعها قبل ان نصل الي هذا النضج الديمقراطي والحضاري. من يريد نموذجا فجا يصور بؤس المشهد الاخلاقي المصري يمكنه الرجوع الي مقالة الشاعر الكبير الاستاذ فاروق جويدة المنشورة بالأهرام الجمعة الماضية عن لقاء حضره للرئيس مرسي مع رؤساء أحزاب وقوي سياسية. يقول في شهادته انفجرت القاعة لتطفو علي السطح اشياء كثيرة. طوفان من الكلمات التي لا تليق. اشتباكات بالألفاظ وصلت الي حد الاتهامات والشتائم. لغة لا تليق في حضور رئيس الدولة. المشكلة كما يرصدها الاستاذ جويدة هي ان النخبة السياسية تواجه ازمة خطيرة. وان علينا اولا ان نؤمن بثقافة الاختلاف. وان هناك حالة من الرفض الكامل لتبادل الآراء. كل فصيل يحتاج لمعجزة الهية ليكون قادرا علي قبول الرأي الآخر. اننا نعيش بالفعل محنة عقول موصدة لا تريد ان تقتنع او تتفاهم او تواجه الحقيقة. كلمات الشاعر الكبير تمثل تشخيصا جيدا بالفعل لأزمة النخبة السياسية لدينا. هذه النخبة فقدت قدرتها علي الحوار او قل الحوار المهذب. وفقدت معها مصداقيته. وقبلها كانت قد انفصلت عن الشارع الذي اختطفه خليط من الغوغاء والبلطجية يزاحمون الثوار الحقيقيين. خلال الاسابيع الماضية شهد التحرير وغيره مظاهرات تباري فيها الشباب في توجيه الشتائم الي رموز الاخوان بمن فيهم الرئيس مرسي. بالطبع هم ليسوا فوق النقد. كما ان المتظاهرين لديهم ما يستحق الغضب إلا انهم عبروا عن انفسهم بأسلوب غير لائق. وكان يتوجب علي النخبة التصدي لهذا الاسفاف. ولكن لان فاقد الشيء لا يعطيه فلم يتحرك احد من الكبار. لن يحكم مرسي الي الابد. وقد يقفز احد رموز هذه النخبة البائسة الي الحكم. يومها سيتجرع من نفس الكأس المريرة, ولن نشفق عليه. ولكن ومن الان علينا ان نشفق علي انفسنا وعلي الديمقراطية الوليدة التي يشوهونها بل يريدون وأدها بلا عقل ولا رحمة ولا اخلاق احيانا. المزيد من مقالات عاصم عبد الخالق