كل من يدعي توقع الفائز.. إما أنه يكذب أو يخدع نفسه.. عبارة سمعتها, قبل أيام, من راسموسن أحد أشهر خبراء استطلاعات الرأي حول فرص الرئيس الديمقراطي باراك أوباما .. والمرشح الجمهوري ميت رومني في حسم انتخابات الرئاسة غدا.. الأجواء في المقر الرئيسي لحملة أوباما في مدينة شيكاجو التي شهدت صعوده السياسي تحمل خلاصة العبارة السابقة, تفاؤل بالتفوق الكبير لأوباما في التصويت المبكر وحذر شديد من منافسة رومني في ولايات حاسمة وعلي رأسها أوهايو, وتبدل الصورة عن عام2008 عندما كان أوباما متفوقا بأكثر من6% قبل يوم الانتخاب.. في صالة المقر الرئيسي للحملة توجد ساعة رقمية مستطيلة تعلن عن العد التنازلي علي يوم الإنتخابات وتحسب المتبقي باليوم والساعة والدقيقة والثانية ويجلس في مواجهتها المئات من المتطوعين ومحترفي الانتخابات في سباق مع الزمن لتقليص تفوق رومني في بعض الولايات الحاسمة فيما يقف ديفيد أكسيلورد رفيق رحلة أوباما وكبير مستشاري حملته الحالية متابعا للتفاصيل الدقيقة ومقرا في الوقت نفسه أن التاريخ لن يعود إلي الوراء أربعة أعوام وأن أوباما في مقعد السلطة ربما يدفع ثمنا عن سلبيات حكمه. عشرات الشباب تتشبث أصابعهم بلوحات مفاتيح الكمبيوتر يتعاملون مع القضية الأهم في اللحظات الأخيرة وهي اتجاهات الناخبين المستقلين والمترددين وكيفية الوصول إلي أكبر عدد منهم قبل التصويت عبر قواعد بيانات عملاقة متوافرة لديهم.. والمهمة الثانية- حسب جيم ماسينه المدير الفني للحملة- هي ضمان خروج جميع الناخبين الموالين صباح الغد! اللحظات الأخيرة, أيضا, تشهد تركيزا علي استعادة زخم الحملة الماضية بين قطاعات مهمة هي الناخبون ذوو الأصول اللأتينية والسود وشرائح الشباب لتعويض خسارة أصوات قطاعات أخري مثل النساء وكبار السن ونسبة من البيض, وحتي المستقلين من الرجال والتي تحول كثير منهم للمرشح الجمهوري تحت وطأة خيبة الأمل من أداء أوباما. هناك معركة امام الصناديق تسمي معركة المزيج العرقي للناخبين ستلعب دورا رئيسيا في تحديد الفائز حيث تشير التوقعات من داخل الحملتين أن تحول نقطة مئوية أو اثنين في الاقبال من أي مجموعة عرقية رئيسية يمكن أن تتأرجح معه نتيجة الرئاسة. بالنسبة لأوباما, السؤال هو ما إذا كان يمكنه أن يحد من خسائره بين الناخبين البيض- وإذا ما كان إقبال الأقليات لدعمه سيظل قويا بما يكفي ليخرج منتصرا. في المقابل, التحدي أمام رومني لمواجهة ضعف الشعبية بين الناخبين من أصول لاتينية, هو تراجع نسبة اقبال السود بحيث لاتطابق أو تتجاوز مستويات عام2008 مع ارتفاع نسبة الاقبال بين الناخبين البيض بشكل كبير بما يكفي لتحقيق الفوز. في ضوء الأرقام الأخيرة, يمكن أن يخسر أوباما إجمالي التصويت الشعبي ويفوز بالمجمع الانتخابي ويعلن عن فوزه بالرئاسة وهو ما حدث مع الرئيس جورج دبليو بوش في انتخابات عام2000 التي أثارت جدلا واسعا بعد معركة فلوريدا التي خسرها الديمقراطي آل جور بفارق ضئيل جدا من الأصوات. في تلك الحالة, مكسب من النوع السابق سوف يترك الرئيس أوباما في موقف شائك في الفترة الثانية لحكمه في مواجهة شراسة الجمهوريين في الكونجرس في ظل توقع استمرار سيطرتهم علي مجلس النواب. ويمثل المجمع الانتخابي المندوبين عن الولايات الخمسين وهم يصوتون بقاعدة الفائز يحصل علي كل أصوات الولاية, وحسب الثقل النسبي للولايات المختلفة في الحجم وكثافة السكان ربما ننتهي إلي وضع جديد, حيث يمنح المندوبون الفائز كل أصواتهم رغم أن المجموع الكلي للتصويت الشعبي لا يساند المرشح الفائز وهي واحدة من التعقيدات الصعبة علي الفهم للنظام الانتخابي الأمريكي عند عامة الأمريكيين والعالم الخارجي. اتساع خريطة ميادين القتال في ولايات كبري مثل بنسلفانيا وميشيجان وأوهايو وفيرجينيا ومينيسوتا وفلوريدا يهدد فرص أوباما ولكنه لا يحسم المقدمة لخصمه رومني نظرا لتفوق المرشح الديمقراطي في تلك الولايات في الانتخابات الماضية وبفارق كبير في بعضها. وتلك هي الولايات التي ركز عليها المرشحان وكبار قيادات الحملتين في الأيام الأخيرة. ويحتاج المرشح الفائز للوصول إلي270 مندوبا في المجمع الإنتخابي وتعول حملة رومني علي إنتزاع ولاية أوهايو أم المعارك لكنها تنظر إلي سيناريو بديل, في ظل استمرار تفوق أوباما في الولاية, وهو الفوز بعدد من الولايات المتوسطة الحجم في مقدمتها ويسكنسون لتجاوز ال270صوتا. ما يقلق حملة أوباما هو إستمرار تفوق رومني بهامش معقول بين الناخبين المستقلين في توجهاتهم السياسية وهؤلاء عادة يرمون بثقلهم وراء الأكثر ترجيحا للفوز. وفي ظل التقارب الشديد بين المرشحين, تبرز واحدة من أفضل النصائح في تاريخ الحملات الانتخابية تلك التي وجهها مدرب كرة سلة شهير إيدس ساتون للمرشح الديمقراطي بيل كلينتون في عام1992 فقد أرسل له قائلا بيل, أنت متقدم بنقطتين وأمامك دقيقتين, فعليك أن تضغط ولا تماطل, اليوم يري الجمهوريون والديمقراطيون علي حد سواء أن تلك هي افضل إستراتيجية في الساعات الأخيرة أن تلعب بجدية وتسعي للفوز بالأصوات حتي الثانية الأخيرة حتي أن ديفيد إكسيلورد وجاي كارني المتحدث باسم البيت الأبيض تحدثا إلي الصحفيين بروح عالية تغلب عليها الدعابة وقال إكسيلورد صاحب الشارب المميز لقد وضعت شاربي علي المحك, وأنا متأكد من إحتفاظي به بعد يوم8 نوفمبر. وفي حملة أوباما, تعطي أرقام أحدث الاستطلاعات عن تفوق رومني بين الناخبين المحتملين سببا لمزيد من التوتر في الساعات الأخيرة رغم ما حققوه من تفوق الديمقراطيين في إخراج الناخبين في التصويت المبكر أكثر من الجمهوريين. والمعروف تاريخيا أن إقبال الديمقراطيين علي التصويت المبكر يفوق الجمهوريين الذين يفضلون التوجه إلي الصناديق في يوم الانتخابات لتجنب التلاعب في فرز التصويت بالبريد أو غيره من الوسائل. من علامات تراجع الجمهوري رومني أن حملة الدعاية في ولاية أوهايو جري تصميمها بحيث تستهدف إخراج الناخبين الموالين أكثر من استهداف ناخبين جدد وهو تغير مهم يعني أن حملة رومني تقر بتفوق أوباما في الولاية الحاسمة. ويركز الجمهوريون في وسائل الإعلام الموالية علي قضية بنغازي حتي الدقيقة الأخيرة أيضا باعتبارها اختراقا للأمن القومي الأمريكي يتحمل الرئيس مسئوليته كاملا وهي من علامات ضعف المرشح الجمهوري حيث لم يجد في سجل السياسة الخارجية من قضايا كبري ما يكفي لترجيح كفته وسط الناخبين المترددين او المستقلين. وفي تكرار لسيناريوهات سابقة مع المرشحين الديمقراطيين, حصد أوباما تأييد الصحف الكبري مثل نيويورك تايمز ومجلة تايم وغيرهما وبالقطع استفاد من ثناء الشبكات الكبري علي أدائه في كارثة إعصار ساندي خاصة بعد كلمات المديح التي خرجت من حاكم نيوجيرسي كريس كريستي وهو من أقوي مؤيدي رومني وبالقطع تأييد مايكل بلومبرج عمدة نيويورك الشهير. كما تعقدت فرص رومني في اقتناص ولايات الغرب الأوسط المعروفة تاريخيا بالتصويت للجمهوريين الانتخابات الماضية بفضل استمرار تقدم أوباما في ولايتي نيفادا وكلورادو. في ظل تلك الحسابات المعقدة.. السؤال الأكثر عمومية هو هل نجح أوباما في بناء ما يسمي بجدار الحمايةFirewall في المجمع الانتخابي يضمن نجاحه؟ الإجابة المتوافرة حتي تلك اللحظة هي نعم شريطة أن تتحقق أرقام إقبال الناخبين الديمقراطيين والنسبة المتوقعة من المستقلين التي تتوقعها حملة أوباما غدا. كل الطرق تؤدي إلي أوباما مالم يثبت الناخبون عدم دقة إستطلاعات الرأي في الولايات الحاسمة وهو أمر حدث, إلي حد ما, في انتخابات2008عندما صعد أوباما في ولايات الغرب الأوسط والجنوب بأرقام لم تظهرها الإستطلاعات.. اليوم يعول رومني علي نسب تخالف الإستطلاعات الأخيرة إلا أن أرقام الوظائف المعلنة يوم الجمعة الماضي تحت مستوي8% وتعامل أوباما مع كارثة الإعصار والأداء العالي المستوي لوكالة إدارة الطوارئ الحكومية تعقد من موقفه وربما تؤدي إلي انحسار تقدمه بين الناخبين المستقلين وتجعله يرمي كل ثقله وراء قاعدة الحزب الجمهوري بما تتضمنه من أطياف كثيرة من اليمين المسيحي إلي حزب الشاي مرورا بالقوي المعتدلة في الحزب والأخيرة هي الأكثر حماسا لانتخابه من الرافضين لهويته الدينية حيث يرون أن ديانة المورمون لا علاقة لها بالمسيحية. في مقدمة العوامل التي تلعب ضد رومني عدم تحقيقه تقدما مهما في القضايا الاقتصادية بالطريقة التي تحسم له الصراع بل علي العكس يسجل الخبراء عدم قناعة الناخبين الساعين للتغيير وتحسين الوضع الاقتصادي للبلاد بحجة رومني مع مرور الوقت في كثير من الولايات المتأرجحة وافتقاره لقوة الإقناع المطلوبة لزعيم يريد أن يطرح نفسه بديلا مغايرا علي كل الأصعدة داخليا وخارجيا. النداء الأخير للناخبين يثير في نفوس أنصار رومني توجسا أكثر مما يثير حماستهم.. فقد دعا رومني الأمريكيين إلي الحكم علي سجله في الحكومة وإنجازاته في ولاية ماساشوسيتس التي كان حاكما لها وقدرته علي العمل دون أجندة حزبية دون أن يغوص في الحلول التي يطرحها لمشكلات الاقتصاد الأمريكي ويصف كلمات أوباما بأنها رخيصة وأن العبرة بالأفعال! علي هامش معركة الرئاسة, هناك معركة انتخاب مجلس النواب بالكامل وتجديد ثلث مجلس الشيوخ دون توقعات بتغيير التركيبة الحالية التي بموجبها الجمهوريون يسيطرون علي أغلبية النواب والديمقراطيون علي أغلبية الشيوخ بفارق ضئيل ينتظر أن تزيد مقعدا واحدا في انتخابات الغد. من قمة الرعب ترقبا لوصول ساندي الأسبوع الماضي.. إلي قمة الإثارة ترقبا لوصول رئيس جديد إلي البيت الأبيض تعيش أمريكا ساعات قادمة لا صوت فيها يعلو علي صوت معركة الرئاسة!