كم هي الابداعات العربية التي نعتت بأشد التوصيفات قسوة, وهوجمت قبل أن تقرأ.. هذا اذا كانت قصصا أو روايات,بحجة أنها كتبت بلغة المستعمر الامبريالي البغيض, أو قبل أن تعرض علي الشاشة الفضية اذا كانت مصاغة باللغة السينمائية. والحجة جاهزة وهي كونها مولت من قبل الفرنجة, دون أن يجيب الساخطون عن العيب في ذلك, مادامت لم تجد في أوطانها من يحتضنها والسبب ببساطة لانها أعمال خارجة علي السائد والمألوف ولا تنتمي لسينما يمكن أن يطلق عليها وصف المؤرخ الفرنسي جورج سادول هز بطن ليس إلا, والطامة ستكون أكبر وأشد فداحة مع هيام عباس الفلسطينية, فأول أعمالها الروائية المعنون ميراث كان بتمويل فرنسي ودعما إسرائيليا لافتا ومشاركة تركية. قد يغفر لها الأولي, وبالتأكيد الثالثة, لكن حتما ستكون منبوذة الي يوم الدين كونها قبلت دخول الدولة العبرية في انتاج فيلمها, الطريف والمثير في آن, هو أن الشريط الذي كان أحد العروض البارزة في ليالي مهرجان انطاليا المعنون بالبرتقالة الذهبية, لقي ثناء من نقاد السينما الأتراك لمضمونه من جانب وقيام منتجين من بلادهم بالمساهمة في صنعه, دون حساسية, فتردي العلاقات بين أنقرة وتل أبيب شيئا وعرض مختارات سينمائية إسرائيلية جادة شيئا آخر, ونادرا أن يمر مهرجان في إسطنبول ومعه انطاليا دون عرض شريط روائي إسرائيلي. والحق أن الفيلم, ومحتواه الذي يدور حول حفل زفاف, برغم كل ذلك يظل تنويعة فلسطينية خالصة, بل إن مفرداته غارقة في المحلية, لا تجسد فحسب هم فلسطينيين تواقين للخروج من تابو الأعراف والتقاليد وجمود المجتمع, بل لنقل إنه صرخة انسانية موجهة الي الناطقين بلغة الضاد من المحيط للخليج, فالدنس الذي يحيط بسمعة العائلات, كونه فردا منها, خصوصا لو كان ينتمي الي نون نسوة, تمرد( تمردت) علي واقعه( واقعها) المتردي متمسكا( متمسكة) بأبسط حقوقه( حقوقها), ألا وهو الاختيار مع من يعيش, هذا العار, والتخلص منه بالقوة, ألا نجده صيحة في أقصي المغرب الي الخليج, إنه الوطن العربي وبيئته الطاردة لكل الآمال, هذا ما يشعر به المرء وهو يري الفيلم ومشاهده التي جاءت معظمها قاتمة بلغة الكاميرا, وضوء الشمس عندما سطع أخيرا كان بالتزامن مع قرار بطلة الشريط بالذهاب الي اختيارها الحر, وهكذا تنحاز هيام عباس الي حتمية الانعتاق من الاغلال والفكاك منها, ولن تكتفي بذلك, بل ستطرح علي لسان العروس أيهما تختار اسطنبول أم باريس لقضاء شهر العسل؟ فالمدن العربية محاصرة ومن الصعب الخروج من حصار الي آخر قد يكون أشد فتكا.