الكثير من المدافعين عن النظام السابق يتحدثون عن معدلات نمو اقتصادي مرتفعة وبخاصة في الفترة من(2002 2010) يفوق متوسطها ال5% بل ويصل إلي7% في عامي (2007 2008) علي وجه التحديد ويستمر هؤلاء في ادعائهم بأنه لولا حدوث الثورة لاستمر هذا المعدل وما كنا لنعاني ما نحن فيه الآن من أزمات اقتصادية طاحنة. مع أن هذه الأرقام الخاصة بالنمو الاقتصادي في مصر صحيحة وأنها تحققت بالفعل بل وأنها كانت مصدر إشادة من منظمات عالمية وإقليمية مثل التقرير الذي أصدرته منظمة الأممالمتحدة للبرامج الإنمائية في ديسمبر2010( شهر واحد قبل حدوث الثورة) بعنوان الثروة الحقيقية للأمم: الطريق إلي التنمية البشرية عن دار بلجراف ماكميلان للنشر- والتي أثنت فيه طويلا علي الأداء الاقتصادي بدول شمال إفريقيا( تونس والجزائر والمغرب ومصر) لتحقيقها معدلات نمو مرتفعة مقارنة بنظرائها من الدول النامية- إلا أنه من المذهل الخلط التام الذي يحدث بين مفهومين أساسيين يعرفهما دارسو الاقتصاد وهما مفهوما النمو الاقتصادي و التنمية الاقتصادية. وإذا كان هذا الخلط يمكن تفهمه حينما يصدر من مسئولين سياسيين يستعملون المفهوم لما فيه صالح سياساتهم إلا أنه غير مقبول من جهات يفترض أنها علي دراية وعلم بالفرق الشاسع بين المفهومين. النمو الاقتصادي في تعريفه الأساسي يعني مجرد الزيادة في متوسط نصيب الفرد من الدخل القومي. لا يهم من أين أتت هذه الزيادة ؟ أو كيف أتت ؟ أما التنمية الاقتصادية فإنها تعرف علي أنها الزيادة في متوسط نصيب الفرد من الدخل القومي والحادثة نتيجة تغيرات هيكلية في النمو الاقتصادي بأيدي المواطنين أنفسهم والناتج عنها تحسن في مستويات المعيشة والرفاهة لهؤلاء المواطنين. من ثم فإن مفهوم التنمية الاقتصادية لابد أن يتضمن النمو ولكن العكس غير صحيح.. أي أنه إذا حدثت التنمية الاقتصادية فلابد أن يحدث النمو الاقتصادي, أما إذا حدث نمو اقتصادي فإنه ليس بالضرورة أن تحدث تنمية اقتصادية. ولذا يذكر طلاب التنمية الاقتصادية دائما أن النمو هو شارع ذو اتجاه واحد أما التنمية فهو شارع ذو اتجاهين. ولعل هذه هي المشكلة الاقتصادية التي واجهتها مصر ودول شمال إفريقيا علي وجه التحديد ( النمو بدون تنمية). النمو دون تنمية يمكن أن يكون العنوان الرئيسي الذي يمكنه أن يصف الأوضاع الاقتصادية خلال العقد الأخير في مصر وشمال أفريقيا والذي أدي إلي تفجر ثورات الربيع العربي. ولكن كيف حدث هذا ؟ ببساطة ارتفاع متوسط نصيب الفرد من الدخل القومي( أو النمو الاقتصادي) يمكن أن يحدث حسابيا لو أن1% فقط من السكان استأثروا بكل الزيادة في الدخل القومي مع بقاء ال99% الأخري دون زيادة أو لو أن الزيادة التي ذهبت إلي1% من السكان كانت أكثر في حجمها مائة مرة من الزيادة التي ذهبت إلي بقية السكان وهذا تقريبا ما حدث في مصر. نعم حدث نمو اقتصادي ولكن ثمار هذا النمو لم يرها السواد الأعظم من الشعب بل ذهب إلي عدد محدود من الذين استطاعوا الاستفادة من النظام الاقتصادي القائم. ومن ثم أهم الدروس المستفادة هنا أنه يجب أن تحدث تنمية وليس نموا فقط ويشترط في النظام الاقتصادي الجديد أن يراعي أن تتوافر مقومات التنمية وهي علي وجه التحديد أن تحدث التنمية في ظل مراعاة كاملة لتوزيع الدخول والثروات بطريقة عادلة فلا يستأثر بثمارها حفنة صغيرة من المواطنين. أن تحدث التنمية بأيد مصرية وليس بالعوامل الخارجية حتي مرة أخري لا تتأثر التنمية إذا تغيرت العوامل الخارجية. أن تحدث التنمية نتيجة تغيرات هيكلية في الاقتصاد فلا يستأثر قطاع واحد ( التجارة مثلا) أو عدة قطاعات( التجارة والتعدين) دون غيرهما بتحمل عبء التنمية والاستفادة من ثمراتها. أن تؤدي التنمية إلي تحسن في مستويات المعيشة للأفراد وبشكل حقيقي( ارتفاع مستويات التعليم والخدمات الصحية والنقل والمواصلات) وليس بشكل سطحي أو مظهري( زيادة عدد التليفونات المحمولة والأطباق الهوائية) كما كان يحدث في السابق.