ياسر صبحي زيادة التفاوت بين الدخول هي إحدي أكبر المشاكل الاجتماعية والاقتصادية والسياسية التي يواجهها العالم في الوقت الحالي. وتواجه الدول التي حققت تقدما سريعا في اقتصاداتها وفي تحسن مستوي المعيشة لمواطنيها اتساعا بدرجات أوسع في الفجوة بين الدخول بما يهدد استقرارها الداخلي وزيادة الاحتقان بين المواطنين من ناحية والضغط علي السياسيين وصانعي القرار من ناحية أخري من أجل اتباع سياسات أفضل لتحقيق العدالة الإجتماعية. وقد أفردت' الايكونوميست' تقريرا مفصلا عن هذه الظاهرة من الناحية التاريخية والعلمية ومن حيث انتشارها في دول ومناطق العالم المختلفة والحلول الممكنة للحد منها. وأوضح التقرير أن الدول الأسوأ من حيث العدالة في توزيع الأجور علي مستوي العالم تتصدرها جنوب إفريقيا والبرازيل والصين ثم الولاياتالمتحدة وبريطانيا والهند وألمانيا والسويد حيث تم قياس التفاوت في الدخول وفقا لمقياس معامل' جيني' الأشهر بين الاقتصاديين في حساب درجة التفاوت. وإذا كانت المفاجأة هي استمرار البرازيل كأحد أسوأ البلاد في توزيع الدخول رغم التحسن الذي شهدته خلال الثلاثين عاما الماضية, فإن المفاجأة الأكبر أن التقرير يشير إلي أن درجة العدالة الاجتماعية تحسنت في مصر خلال نفس الفترة من عام1980 2010 بشكل ملحوظ, ولكن لم يشر التقرير إلي تفاصيل أخري عن مصر بخلاف هذا المؤشر. وتملك الولاياتالمتحدة أعلي عدد من المليارديرات علي مستوي العالم بلغ عددهم421 مليارديرا تبلغ ثروتهم نحو10.5% من الناتج المحلي, بينما تبلغ ثروة96 مليارديرا في روسيا نحو18.6% من الناتج, و95 مليارديرا في الصين نحو2.6% من الناتج, و48 مليارديرا في الهند علي نحو10.9% من الناتج, و37 مليارديرا في البرازيل نحو6.2% من الناتج. وقد زادت عدم العدالة علي مستوي دول العالم بشكل عام, ففي الولاياتالمتحدة علي سبيل المثال يحصل1% من السكان الأعلي دخلا علي20% من الدخل القومي مقابل10% من30 سنة, وهو يماثل نفس النسبة في زمن عدم العدالة الاجتماعية بأمريكا منذ100 عام. إلا أنه علي مستوي الاقتصاد العالمي تضاءلت الفجوة بين الدول نتيجة صعود الدول النامية وحصولها علي حصة أكبر من الاقتصاد العالمي, وذلك مقارنة باتساع هذه الفجوة خلال القرنين التاسع عشر والعشرين. ولمفهوم العدالة الاجتماعية مقاييس مختلفة فالبعض مثل دول أوروبا يركز علي قياس التفاوت بين الدخول, بينما في مناطق أخري كالولاياتالمتحدة فإن التركيز هو حول مفهوم عدالة الفرص بين المواطنين من خلال الإهتمام بالتعليم والخدمات الأخري التي تسمح للمواطنين بالحصول علي فرص متساوية في العمل والنجاح. ويعتبر التفاوت في مستوي التعليم أحد أهم أسباب الفجوات بين الدخول. أما أسوأ أنواع التفاوت في الدخل فيحدث في دول مثل الهند التي تحظي من خلالها نخبة رأسمالية قريبة من الحكم علي مزايا تسمح لها بالحصول علي مغانم وهو ما يتسبب في زيادة الفساد, والسخط بين الشعب نتيجة عدم توزيع ثمار النمو بالشكل العادل. ويشير التقرير إلي أن علاقة الإرتباط بين العدالة الاجتماعية( أو عدم تواجدها) بزيادة النمو الاقتصادي غير محسومة في إطار النظرية الإقتصادية, حيث ان كل فريق لديه من الحجج القوية والوجيهة التي تساند وجهة نظره. فمن ناحية فإن إرتفاع دخل الأفراد يؤدي إلي زيادة معدلات الادخار والاستثمار وبالتالي معدلات النمو الاقتصادي, كما أن وجود الحافز للمواطنين بزيادة الدخل والانضمام لطبقة الأغنياء يؤدي إلي زيادة الجهد والابتكار لدي الأفراد مما يؤدي إلي زيادة الإنتاجية والرخاء الاقتصادي. ومن ناحية أخري فيري الفريق الأخر أن التفاوت بين الدخول يتسبب في إضعاف الإقتصاد نتيجة حرمانه من الاستفادة من طاقات كبيرة من البشر الذين قد يتمتعون بمهارات مفيدة ولكن غير مستغلة نتيجة عدم حصولهم علي مستوي التعليم المطلوب, كما يؤدي إلي قيام الحكومات بتطبيق سياسات شعبوية لستيعاب غضب الأفراد من خلال سياسات غير فعالة( مثل أنواع مختلفة من الدعم) تضر بالنمو الإقتصادي. كما أن دراسات قامت بها صندوق النقد الدولي مؤخرا توضح أن التفاوت بين الدخول يتسبب في تباطؤ معدلات النمو الإقتصادي, ويؤدي إلي ضعف الطلب, كما يتسبب في أزمات مالية وعدم إستقرار الإقتصاد الكلي. وفي نفس الوقت فإن دراسة حديثة للبنك الدولي توضح أن إنخفاض مستوي التعليم له تأثير سلبي علي الأداء الاقتصادي بشكل عام. الحلول ممكنة ويشير التقرير إلي أن حلول تدعيم العدالة الإجتماعية وتقليل الفجوة بين الدخول ممكنة وللحكومات دور رئيسي في إتباع السياسات التي تسمح بذلك. ولعل أولي الخطوات المطلوبة هو إنهاء الفساد الذي يسمح لفئة صغيرة بالحصول علي مزايا غير مشروعةCronysm, وزيادة المنافسة في الأسواق لإنهاء الاحتكارات وهي ظاهرة منتشرة بشكل أكبر في الدول النامية والأسواق الصاعدة مثل الصين والهند. أما في الدول المتقدمة فهي تحتاج بشكل أكبر لإنهاء الدعم للشركات والمؤسسات المالية الكبيرة التي تخاف الدول من تأثير سقوطها علي الاقتصاد. كما يري خبراء الاقتصاد أن سياسة الإنفاق الحكومي( خاصة علي التعليم والصحة والخدمات الأساسية) أداة أكثر أهمية وفعالية من السياسات الضريبية في تحقيق العدالة الاجتماعية. وقد نجحت كثير من الدول الصاعدة خاصة في شرق أسيا في تبني النموذج الناجح للبرازيل والمكسيك بتقديم الدعم النقدي من خلال سياسة استهداف للفقراء, وربطها بشروط للتعليم والصحة والغذاء, وذلك كبديل لسياسات الدعم للجميع مثل دعم الطاقة الذي يكلف أموالا باهظة مع تأثير غير فعال في تحقيق العدالة الإجتماعية. كما أن استهداف الدعم يعني مع الوقت التحول من تقديم الإعانات المالية إلي التركيز علي التعليم, فضلا عن التحول من دعم الأغنياء وكبار السن إلي دعم الشباب والفقراء, ففي كثير من الدول المتقدمة أصبحت نظم المعاشات والتأمين الصحي ذات تكلفة مرتفعة لا تستطيع الدول تحملها. أما في المرتبة الثالثة بعد تقليل الفساد وزيادة المنافسة في السوق, وبعد اتباع سياسات أفضل للإنفاق الحكومي, فتأتي الإصلاحات الضريبية حتي تكون أكثر كفاءة وعدالة. إلا أن هناك كثيرا من الشكوك حول جدوي سياسات الضرائب التصاعدية لتأثيراتها السلبية علي الحافز أمام المواطنين والاستثمارات. وقد يكون من الأجدي مراجعة النظم الضريبية لضمان إزالة التشوهات وتقليل الإعفاءات. وبالنسبة للضريبة العقارية فيري التقرير أنها الأكثر فاعلية في تحقيق التصاعدية والعدالة وزيادة الموارد. العدالة الاجتماعية وإجراءات التقشف المالي لتحقيق الاستقرار تحد كبير يواجه أغلب الدول المتقدمة والصاعدة علي السواء, وهو أصبح علي رأس الأولويات أمام صانع السياسة خاصة منذ الأزمة العالمية التي تسببت في تقليل الفرص أمام المواطنين لتحسين مستوي معيشتهم. والمعادلة الصعبة أمام الحكومات هي في كيفية تطبيق سياسات تخفف التوتر والاحتقان والغضب لدي شعوبها وفي نفس الوقت تسمح لها بتحقيق التقدم الاقتصادي والتكنولوجي.