يتابع اللبنانيون مسارات شظايا قنبلة ألقتها السياسة علي الحياة الاجتماعية والاقتصادية وقطاع من جيل الشباب, لاسيما أن القنبلة ليست من صنع أطراف اقليمية ودولية. إنما صناعة محلية بامتياز. فقد اكتشف اللبنانيون أن أراضيهم المحتلة لا تشكل فقط مزارع شبعا وتلال كفر شوبا والجزء الشمالي من قرية الغجر في الجنوب التي تحتلها إسرائيل, وأن الوجود السوري لم يكن الوجود العربي والأجنبي الوحيد علي أراضيه. اكتشف اللبنانيون ان هناك دولة متعددة الجنسيات موجودة علي أراضي لبنان تشغل نحو4% من مساحته, وأن هذا الوجود ليس احتلالا غير شرعي, بل هو وجود قانوني وشرعي وحاصل علي رخصة من مجلس الوزراء. فقد كشف تقرير رسمي أقرب الي الصرخة أن42 مليون متر مربع من مساحة لبنان(10 آلاف كيلو متر مربع) قد بيعت للأجانب منذ عام1993 وحتي الآن, بخلاف أراض أخري بيعت في عمليات غير قانونية وغير مسجلة, الأمر الذي دعا أحزابا وتيارات سياسية والطائفة المارونية بالأساس الي اطلاق الصرخة والتحذير من تداعيات ذلك علي مستقبل وسيادة لبنان طالبين تدخل الدولة لوضع ضوابط لهذه العملية المنظمة بالقانون؟!! لبيع الأراضي للأجانب, خاصة أن هناك شعبا عربيا آخر( الفلسطينيين) يتهمه أشقاؤه بأنه باع أرضه لليهود. وبداية القصة( العملية) كانت عام1993 عندما صدر القانون( المعدل سنة2001) الذي سمح للأجانب بتملك الأراضي والعقارات في لبنان بموافقة مجلس الوزراء تحت شعار تشجيع الاستثمار واعتبار الاستثمار والتسويق العقاري رافعة التنمية في لبنان, ونص القانون علي ألا يتجاوز مايملكه غير اللبنانيين من أراض أكثر من3% من مجموع الأراضي اللبنانية. وعلي مدي17 عاما من تطبيق القانون بلغت مساحة الأراضي التي بيعت للأجانب نحو42 مليون متر مربع, بينما المسجل( المنشور) في الجريدة الرسمية هو رقم تسعة ملايين بسبب عدم التسجيل ولا يدخل في هذا الحصر الشقق السكنية التي يمتلكها العرب خصوصا بفزارة في بيروت وعالية وبحمدون في جبل لبنان. وتتوزع الأراضي المبيعة بين المتن وبعلبك وعالية وبعبدا وزحلة وجبيل والشوف وكسروان والبترون وبيروت وصيدا( أغلبها مناطق مسيحية), أما قائمة المشترين فيتصدرها السعوديون(1.4 مليون متر مربع) ثم الكويتيون(1.3) ثم الأمريكان(55 ألف متر مربع) ثم الاماراتيون والاردنيون والقطريون وغيرهم, وهناك شركة غير اسمية, حيث لا يجبر القانون اللبناني حامل السهم علي إعلان تملك400 ألف متر مربع. ولأن أغلب الأراضي في المناطق المسيحية فإن البطريرك الماروني نصر الله بطرس صفير مهتم بظاهرة بيع أفراد مسيحيين أراضيهم وتفضيل الهجرة والاغتراب بسبب ظروف سياسية داخلية وإقليمية, ويدعو أبناء طائفة روما للاستمساك بالأرض بل والانخراط في الجيش, ويحذر من هذه الظاهرة, وأعد المركز الماروني للأبحاث والتوثيق دراسة في هذا الصدد أزعجت الطائفة وسائر اللبنانيين, خاصة أن هناك أراضي تباع وعمليات تتم دون مراسيم ولا يتم تسجيلها في الدوائر العقارية وبعضها يتم تسجيله بأسماء لبنانيين يعملون في الخليج. وتلاحظ الدراسة ان واحدة من أكبر عمليات بيع الأراضي اللبنانية لأجانب تمت في الفترة بين عامي2005 و2007( أثناء حكومة فواد السنيورة) حيث تم بيع نحو2.5 مليون متر مربع بمراسيم صادرة من مجلس الوزراء بخلاف ماتم بيعه بالتحايل دون تسجيل. ويستغرب الموازنة ان أكبر عملية بيع للاراضي تمت في الفترة بين اغتيال رئيس الوزراء السابق رفيق الحريري عام2005 وعام2008 وهي فترة شهدت توترات سياسية وحربا إسرائيلية علي لبنان تؤدي طبيعيا الي تطفيش الاستثمارات, ولا تؤدي الي تدفقها؟!!, ويفسر الخبراء ذلك بأن أرض لبنان استثمار جيد للأجانب حيث تتدني الأسعار وقت الأزمات, وترتفع الي أرقام فلكية في أوقات الاستراحة والاستقرار ما يعوض الخسارة في أوقات الأزمات. لكن المواطن اللبناني هنا هو الضحية, فالشقة السكنية التي كان ايجارها قبل20 عاما نحو30 ألف ليرة في الشهر أصبح ايجارها الآن نحو مليون ليرة(700 دولار) شهريا, والتي كان سعرها للتمليك عشرة آلاف دولار أصبح ثمنها اليوم400 ألف دولار, هكذا يقول طبيب الاسنان كفاح فرحات, الذي يطالب بضرورة مراجعة مسألة اعتبار الاستثمار العقاري رافعة للتنمية بدلا من التركيز علي الانتاج. ويقول حاكم مصرف لبنان( البنك المركزي) الاستاذ رياض سلامة إن لبنان يعيش ويستفيد من الانفتاح, ويجب ان يظل منفتحا, وإذا كان هناك اهتمام خارجي به فهذا في مصلحته, والقانون وضع من أجل تنظيم تملك الأجانب وحتي المواطن اللبناني أيضا أن يتملك في بلده. ويضيف في تصريحات ل الأهرام أن القانون وضع بالفعل ضوابط ولكن يجب مراعاة ألا ترفع عملية الاستثمار العقاري أو تملك الأسعار علي المواطنين حتي لا يصبحوا من سكان ضواحي المدن مثل سكان لندن, وهذا الموضوع يتطلب تنظيمه التشدد في تطبيق القانون. ويوضح: أن تطبيق القانون مسئولية الدولة.. فكيف تطبقه, وبالنسبة لنا فقد أطلقنا الاقراض العقاري لشراء المساكن وهو يختلف عن الاقراض للمشاريع العقارية حيث يصبح في متناول المواطن ان يقترض ويسدد علي فترات تتراوح بين10 و15 و20 سنة لشراء سكن خاص, وهذا الأمر سيخفف كثيرا من الضغوط المثارة حول نسبة تملك أجانب اراضي الي مساحة لبنان, مشددا علي ان المسألة في النهاية تعود الي تطبيق القانون. تشهد بيروت اصدار بيانات ودراسات وعقد ندوات لمناقشة الظاهرة وأخري للترويج لها, يشارك فيها رجال دين وسياسيون, ورجال أعمال ومسئولون, والصوت الغالب هو التحذير من خطورة بيع الأراضي للاجانب ودعوة الدولة الي التدخل لوضع ضوابط كون المشترين الاجانب إذا زادت الظاهرة علي هذا الحد لن ينقصهم سوي الجنسية لحكم البلد, أو إعلان دولة مستقلة علي3% من مساحة لبنان يصبح مواطنوه فيها رعايا أجانب!؟.. فلبنان ليست دولة مواطنية فقط.. بل والأجانب أيضا!