بقلم: سامي فريد في مداخلة مع الدكتور ياسر معوض رئيس فرقة التخت العربي علي موجة إذاعة البرنامج الغنائي قال الموسيقار سامي نصير بحزن لا تخطئه الأذن: إنه كان عندنا في بدايات القرن الماضي430 مقاما موسيقيا, تقلصت اليوم إلي ثلاثة مقامات فقط هي: الكورد, والنهاوند, والبياتي, والسبب هو إما جهل الموسيقيين, أو ضعف الإنتاج!! كان ذلك مساء السبت18 أبريل عام2009, ثم جاء الموسيقار إبراهيم رجب وعلي موجة الأغاني نفسها يوم20 سبتمبر عام2012 ليقول: إن المقامات الشرقية كلها9 مقامات فقط, تصل بتفريعاتها إلي154 مقاما فقط, وليس430, وأبدي اندهاشه للمبالغة في الرقم! وسواء كانت المقامات9 أو154 أو430 ثم تدنت حتي وصلت إلي ثلاثة مقامات فقط( أكد لي موسيقار كبير في لقاء بنقابة الموسيقيين أن عندنا من الملحنين الآن من يعتمدون في ألحانهم علي مقام واحد فقط والبركة في الاكواليزرEqualizer), وأيا ما كان الرقم فالمسألة شديدة الخطورة.. لماذا؟! سنقرأ معا ما قاله ابن خلدون شيخ أساتذة الاجتماع في مقدمته علي صفحة428 في الفصل رقم32 وتحت عنوان في صناعة الغناء ما نصه: وهذه الصناعة( يعني صناعة الغناء) هي آخر ما يحصل في العمران من الصنائع( لاحظ أنها آخر ما يحصل في العمران, يعني بعد اكتمال البنيان العمراني لأي أمة من الأمم, ثم يضيف: وهو( الغناء يعني) أول من ينقطع من العمران عند اختلاله وتراجعه. والسبب طبعا مفهوم, فالغناء صناعة بالغة الرقة والحساسية لا تكتمل زينتها إلا بعد تمام العمران, وهي ولفرط سياستها أول ما يهرب تاركا الساحة عند حلول الخراب, وانقطاع العمران. إن مراجعة دقيقة لما حدث لصناعة الغناء في مصر تقول إنها بدأت رحلة تدهورها وانحدارها بعد غياب قامات موسيقية وتلحينية عملاقة مثل السنباطي, وزكريا أحمد, وعبدالوهاب, وفريد الأطرش, والقصبجي, ومحمود الشريف, تلاهم غياب جيل آخر مجدد ممتلئ غيرة وحماسة مثل الطويل, والموجي, وبليغ, ومنير مراد, صاحبه غياب جيل مصاحب من المطربين والمغنين الكبار نذكر منهم وبدون ترتيب كارم محمود, ومحمد فوزي, وعباس البليدي, وعبدالغني السيد, وعبدالعزيز محمود, وعبدالحليم حافظ, ومحرم فؤاد, كما نذكر الآن أم كلثوم, وفايزة أحمد, ووردة, ونور الهدي, وسعاد محمد, وصباح( مد الله في عمرها), وليلي مراد, وأسمهان, وبعد أن كنا نسمع لأمير الشعراء أحمد شوقي, وشاعر النيل حافظ إبراهيم, وميخائيل نعيمي, ومطران, وجبران, وصالح جودت, وحسين السيد, ومرسي جميل عزيز, وفتحي قورة, صرنا نسمع من يكتب للخيار, ويحب الحمار, ومن تريد أن تتحنطر فتركب الحنطور ولا ندري كيف!! يحدث هذا وفينا من المبدعين الموسيقيين والشعراء من لايزالون يتشبثون بالأصالة والقيمة, ويقاومون عواصف الإزاحة والاقتلاع, أمثال عمار الشريعي, وحلمي بكر, وجمال سلامة, والوسيمي, وأحمد الحجار, ومن المطربين علي الحجار, ومحمد الحلو, ومحمد منير, ومدحت صالح, وهاني شاكر, ومن الكتاب والمؤلفين وبغير ترتيب أيضا جمال بخيت, وسيد حجاب, وبهاء جاهين, ومصطفي كامل, ووائل هلال, وإبراهيم عبدالفتاح, ورضا أمين, وعصام عبدالله, ومحمد العو, أمام هجمة ممن لن أتوقف أمام أسمائهم!! نقول ذلك علي سبيل المثال فقط, وليس الحصر, فالقائمة طويلة في كل الاتجاهات, وعلي كل المستويات, ورحم الله أيام البروفات التي كانت تصل أحيانا إلي30 بروفة للأغنية الواحدة, فأصبح المغني اليوم وقد وضع السماعات في أذنيه راح يغني دون فرقة موسيقية, فانعدم أول شرط من شروط الغناء وهو التواصل مع الفرقة الموسيقية أولا, ثم مع الجمهور الغائب ثانيا, وصار كل من يمتلك ذلك الجهاز العجيب الذي في حجم ساعة المكتب الذي يسمونه الاكواليزر ملحنا كل ما عليه هو أن يضبط إيقاعاته ليعطيه متواليات إيقاعية بلا حدود يستطيع معها أن يلحن أي كلمات أمامه, كل ما عليه أن يكتب النوتة إن كان يستطيع أو يستأجر لها من يكتبها, ثم يسجلها علي السي دي ليغنيها المغني ويسمعها الجمهور المغلوب علي أمره أحيانا, أو الجاري علي الموجة أحيانا أخري, لأنه لم يجد شيئا أحسن يستطيع أن يسمعه. أما الغناء الذي نعرفه ونحبه ونحترمه فلن يعود إلا إذا عاد كل شيء غاب.. سيعود مع عودة العمران, والإنتاج, والصناعة, وازدهار الزراعة, والسياحة, ووفرة الإنتاج.. ساعتها.. سيعود الغناء, ويصدح من جديد في جو بلادنا بعد الغياب الطويل.