شريف الغمري :كانت شخصية صدام حسين منذ بداياته شخصية فيها من المغامرة أكثر مما فيها من السلوك السياسي, وكانت تصرفاته بعيدة تماما عن تصرفات رجل الدولة, كانت بداياته أن قام بتصفية رفاق الحكم في حزب البعث الذين وجد أنهم منافسين أقوياء له, وذلك بعد أن سمح له الرئيس السابق أحمد حسن البكر بأن يكون مسئولا عن أجهزة المخابرات, ومن خلال هذه الأجهزة بطش بكل منافسيه, بل حاصر الرئيس البكر نفسه داخل دائرة نفوذه الطامحة لمزيد من السلطة, وهو ما تحقق له عندما أزاح البكر عن الرئاسة ليتولي هو الرئاسة من بعده. ومن أكثر الوقائع التي تعكس شخصية صدام عندما عقد إجتماعا وطلب من قيادات الحزب الحاضرين أن يبدي كل منهم رأيه بحرية, فقام أحدهم بإبداء رأيا أغضب صدام فإصطحبه إلي غرفة مجاورة وأطلق عليه الرصاص وقتله, وكانت هذه نفس تصرفات صدام تجاه شعبه بشكل عام ومن تلك الوقائع التي تروي عن إرساله بلدوزارات لتهد منزلا من أساسه لأن به أسرة معارضين له من النشطاء السياسيين. كانت شخصية صدام حسين وغرابة تصرفاته ومواقفه موضوعا لكتاب صدر أخيرا, وتأتي أهمية هذا الكتاب في أن مؤلفيه أخذوا محتوياته من تسجيلات خاصة بصدام أثناء عقده إجتماعات مغلقة مع مساعديه وأثناء اتخاذه قرارات مهمة. لاحظ المؤلفون أن أحداثا كثيرة لا توجد تسجيلات عنها, وفهموا أن صدام قام بمسحها ربما لما تتضمنه من خطورة عليه هو شخصيا, لكن ما بقي من تسجيلات تتضمن معلومات مهمة جدا عن العراق وعنه وعن قادة عرب وغربيين. ومن بين هذه التسجيلات علي سبيل المثال ما كان يفكر فيه من إغتيال زعماء سياسيين عن طريق التفجيرات الانتحارية, وهو ما ظهر في تسجيل له في مايو عام1992 عندما كان يبحث خطة لإغتيال كل من الرئيس السابق حسني مبارك والملك الراحل فهد بن عبدالعزيز بسبب دورهما في حرب تحرير الكويت, ولكن لم يستطع صدام تنفيذ خطته ربما لصعوبة الوصول اليهما. عنوان الكتاب تسجيلات صدام: الأفعال السرية لنظام حكم الطاغية, من تأليف كيفن وودز وديفيد بالكي ومارك ستوود, ومدة التسجيلات التي إستعرضها المؤلفون بلغت2300 ساعة من مناقشات صدام في الفترة من عام1978 وحتي عام.2001 ويقول المؤلفون أن هذه الاجتماعات دارت في مجلس قيادة الثورة ومجلس الوزراء والأجهزة المعاونة في صنع القرار وبعض المناقشات غير الرسمية داخل الدائرة الصغيرة المحيطة بصدام من المستشارين. ويبدأ الكتاب بتقديم شخصية صدام كمعارض سياسي ومتآمر يلجأ للعنف, ويستعرض مشاركته في محاولة إغتيال رئيس العراق السابق عبد الكريم قاسم, وواصل صدام مؤامراته إلي أن أصبح وهو في الثانية والثلاثين من عمره نائبا لرئيس العراق السابق اللواء أحمد حسن البكر, وذلك بعد إنقلاب في17 يوليو عام.1968 وحول علاقة صدام بالولايات المتحدة ينقل الكتاب عن جيمس كريتشفيلد رئيس جهاز المخابرات المركزية الأمريكية للشرق الأوسط في أواخر السبعينيات أن صدام دخل في علاقة وثيقة مع المخابرات المركزية الأمريكية ومع دبلوماسيين أمريكيين وشركات بترولية, لكن علاقة صدام تدهورت بالولايات المتحدة عندما تجاوزت طموحاته ما هو مسموح له به وقام بغزو الكويت عام.1990 عندما تتحدث التسجيلات عن علاقة صدام بمساعديه فإنها تكشف عن مخاوفهم من أن ينقلوا إليه أي أخبار سيئة تغضبه, وإن كان إثنان من مساعديه كانا هما الأقوي ضمن كل المحيطين به وهما علي حسن المجيد وحسين كامل, وقد كانا يناقشانه في أرائه وقراراته. كان صدام يعتقد أنه قادر علي التحليل السياسي للأحداث بنفسه وكان يطلب من رجال مخابراته أن يقوموا بنقل المعلومات له كما هي دون أن يتدخلوا فيها أو يحللوها, وكان هو من يقوم بتحليلها, لكن ذلك كان يؤدي إلي وقوعه في أخطاء سوء التقدير للمعلومات المقدمة له, ومن أشهرها علي سبيل المثال قراره بالحرب علي إيران عام1980, وكان تقديره أن الحرب لن تزيد عن عام وذلك في رده علي النصائح التي نصحه بها رؤساء عرب بعدم خوض هذه الحرب, وأحيانا كان يقول إنها لن تستغرق أكثر من أربعة أشهر, ولكن ما حدث أن حربه ضد إيران إستغرقت ثماني سنوات عاني خلالها الشعب العراقي معاناة شديدة وخسر آلاف القتلي والجرحي. كان صدام لديه طموح كبير في أن تستعيد الأمة العربية مكانتها العظيمة ولكن علي أن يكون ذلك تحت قيادة العراق وزعامته هو بالطبع. لاحظ المؤلفون أن سوء التقدير لدي صدام مرتبط بطموحاته التي تسيطر عليها نزاعاته النفسية أكثر من أي شيء آخر نتيجة تكوين شخصيته منذ صغره كشخص ميال إلي العنف بدرجة كبيرة. وتكشف التسجيلات أنه كان قد أعد مؤامرة لقتل الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش الأب وذلك عن طريق تكليف شخص إنتحاري يضع حزاما ناسفا حول جسده أثناء زيارة بوش للكويت, وهو ما كشف عنه الرئيس السابق بيل كلينتون في يونيو1993, ولكن إكتشفت المخابرات الأمريكية الخطة في الوقت المناسب وقامت بإحباطها. كانت يد صدام الملطخة بالدماء منذ بداياته وهو شاب صغير والتي لم يتغير فيها شيء عبر مسار حياته كفيلة بأن تنهي حياته بنفس الطريقة التي أنهي بها حياة أبرياء كثيرين, كان يمكن أن يحدث ذلك علي يد ضحاياه أو أقاربهم الذين كانوا يريدون الثأر منه لكنه فتح علي نفسه جبهة أكبر من مجرد ثأر أشخاص إلي وقوف دول العالم في وجهه عندما غزا الكويت عام1990 وأعلن ضمها للعراق فكانت نهايته علي يد قوات الغزو التي غزت العراق عام.2003