رسالة أنطاليا: سيد عبد المجيد: أنطاليا تلك الواحة الساحرة المطلة علي البحر المتوسط جنوبي الأناضول تعود وعزمها يتزايد علي استكمال مسيرتها السينمائية التي بدأتها قبل نصف قرن تقريبا, رغم ضغوط السياسة والعقوبات التي فرضت علي المدينة السياحية كون أبنائها لا يصوتون للعدالة الحاكم, بل يصرون علي انتخاب حزب الشعب الجمهوري المعارض وللتحايل علي التمويل وضغط النفقات. لعبت التقنية الحديثة دورا مهما في هذا الصدد بفضل قيام القائمين علي الحدث السينمائي بإدخال جميع المعلومات الأساسية عن الشرائط السينمائية والأقسام المختلفة التي تعرض فيها, إضافة إلي جداول تفصيلية للفاعليات علي الموقع الإلكتروني للمهرجان كي تكون متاحة للجميع, وهكذا ومن خلال جهود محبي الفن السابع تألقت البرتقالة الذهبية وقدمت لعشاق الشاشة الفضية روائع الأفلام التي جاءت من أركان المعمورة مع تركيز علي سينما الأوراسيا' أي البلقان ووسط آسيا' وكلتاهما علامتان متميزتان للبرتقالة الذهبية منذ أن دشنت عام.1964 والشئ اللافت هذا العام تجسد في ابتكار محور مغاير للنقاش, تمثل في تلك الثلاثية:' الفكاهة والمعارضة والديمقراطية', أيهما يسبق الآخر؟, لم يكن هذا هو شاغل الحوارات علي هامش المهرجان, فالأضلاع الثلاثة اشتركت جميعا في التوق إلي الحرية, ومن الأخيرة يمكن قراءة العديد من الأعمال التي شاهدها مواطنو أنطاليا والتي شكلت الحرية هاجسها الأساسي, منها ما كان مثيرا للدهشة والحيرة, فرومانيا العضو في الاتحاد الأوروبي(2007) والناتو(2004) مازالت تتلمس طريقها نحو ديمقراطية لم تتكرس بعد وهذا ما ظهر جليا في أفلامها التي اختيرت للعرض ضمن ليالي المهرجان الست, يأتي في مقدمتها' مكان ما في باروليلا' للمسرحي سيلفيو بوركاريتا, صحيح أن أحداثه تعود إلي الستينيات حيث حقبة الشيوعية وقيادة الثنائي نيكولاي تشاويسكو وزوجته, إلا أن مشاهده التي غلبت عليها الفانتازيا, ومفرداتها العبثية التي استهلمت روح الألماني فاوست والروسي تشخيوف بدت وكانها تبكي من أجل واقع منشود لم يولد بعد في هذا البلد الذي لم يتخلص من ماض كئيب, وشريطا رائع آخر حمل اسم' ماوراء التلال' لمخرجه كريستيان مونجيو, وفيه كان العنف وأسطورة الشيطان في مواجهة شرشة مع العقل والمشاعر الإنسانية, وطوال ساعتين ونصف الساعة كان الصراع غير متكافئ القسوة التي تذرعت بالدين وباسم الرب يسوع. من البلقان إلي وسط آسيا لم يكن البون شاسعا,بل العكس هو الصحيح, فكلاهما ينشد الحرية وإن اختلفت مستويات القهر, ففي كازاخستان شأنها شأن أقرانها الجمهوريات الخمس ذات الغالبية الإسلامية تجسيد لدولة الطغيان التي تدفع مواطنيها إلي الصمت والموت, ورغم ذلك لم تكف محاولات الهروب من الاستبداد, يمكن أن نري ذلك في الشريط الروائي' الطالب' لمخرجه درزهان عمر باييف, والمستوحي من' الجريمة والعقاب' لفيدور ديستوفسكي, الذي لم يخل من لغة سينمائية جيدة وإسقاطات عديدة لم يكن هناك أي مفر منها كي تصل الرسالة بعيدا عن قيود الرقابة, بيد أن المتلقي لن يبذل جهدا كبيرا في أن يدرك مدي الزيف في خطاب السلطة الأبدبة, فصور العمران وناطحات السحاب والبنايات الزجاجية ونافورات الميادين بألماتا لم تخف المعاناة وأنين البشر. من قزوين وبحيرته المغلقة, ومن الأورال شرق أوروبا العجوز إلي كوبا بؤرة الكاريبي في أقصي الغرب, تلك الجزيرة التي مازالت تثير شهية مبدعي السينما في العالم ربما لصمودها أمام حصار العم سام المفروض عليها منذ الانتصار علي الطاغية' باتسيتا',وصعود الشيوعي' فيديل كاسترو' وربما لغناها الموسيقي وإيقاعات الجاز التي ذهبت إلي كل بقاع العالم, وهناك أشياء أخري رصدها قد يطول, ولكن سيضمها بشكل أو بآخر الفيلم الفرنسي الاسباني'7 أيام في هافانا', كل يوم سيعكف عليه مخرج بدءا من البورتريكي' بنتشو ديل تورو', والأرجنتيني' جاسبار نويئ' والفلسطيني' إليا سليمان' والصربي' أمير كوستاريكا' والفرنسي'لورانت كانط' والاسباني' خوليو ميديم' وأخيرا الكوبي' خوان كارلوس تابيو',إذن عيون سبعه رأت هذا البلد الصغير في الجغرافيا, الساحر في ماضيه وحاضره وجميعها لم تخف قلقها علي الغد الذي ينتظره. ولا يدري المرء وهو يتابع لقطات الفيلم وما تحمله من زخم وأصوات وغناء وتقاليد ضاربة في الأعماق أن تذكر رواية التشيلية إيزابيل الليندي' الجزيرة تحت البحر',وفيها كانت كوبا في القرن الثامن عشر مرفأ يلجأ إليه مستوطنو العالم الجديد في هايتي يودوعون أموالهم كونها واحة للأمن والأمان, والآن هل هي كذلك ؟,ربما تكون آمنة ولكنها بالتأكيد ليست' جنة عدن' بل مازالت أرضا طاردة تدفع أبناءها إلي المغامرة كي تطأ أقدامهم شواطئ غير تلك التي مازال يهيمن عليها فيديل كاسترو.