هل يمكن أن تستمر الثورة بعد أن يموت وقتها ويرحل الثوار؟ سؤال مهم، خاصة بالنسبة للمبدعين في عالم السينما الوثائقية التي ترصد الواقع وما يستجد به، وفي مهرجان الإسماعيلية السينمائي الدولي بدأت الإجابات علي السؤال منذ اليوم الأول لعروضه، الأحد الماضي، بفيلم عن كوبا الآن، ليلة الاحتفال بالذكري الثانية والخمسين لاندلاع ثورتها بقيادة فيديل كاسترو واسم الفيلم «مع فيديل مهما حدث»، أما الثورة المصرية التي أذهلت العالم في يناير 2011، ومازلنا نعيش زمن تداعياتها، فقد خصص المهرجان لها برنامجا خاصا بعنوان «الثورة كما يراها الآخر» والآخر هو صانع هذه الأفلام الذي جاء من آخر الدنيا ليرصد ما حدث ويحدث في مصر، مثل بيتر لوم وفيلمه «العودة إلي الميدان» إنتاج نرويجي يوناني يتناول قصة خمسة مصريين من طبقات مختلفة، شاركوا في الثورة، كل بطريقته، وتعرضوا لمتاعب وانتهاكات مختلفة لاتزال موجودة كما يري الفيلم، أما كريم الحكيم وعمر شرجاوي فهما مخرجان دنماركيان من أصول عربية حضرا لمصر لتقديم فيلم عنها حين قامت الثورة واهتزت لها عاصمة مصر فقدما فيلمهما «نصف ثورة» في 71 دققة، أما الاسكتلندي لوري فيليب، أستاذ العلوم السياسية بالجامعة البريطانية في مصر فقد وجد نفسه متفاعلا مع شباب مصر الذي ذهب إلي التحرير منذ اليوم الأول للثورة وبمساعدة من يحيي حسين الصحفي والإعلامي المصري قام الاثنان بتغطية المظاهرات التاريخية في الميدان بين 25 يناير وحتي 11 فبراير 2011 ليقدماها في فيلم أطلق عليه اسم «الإطاحة بطاغية علي الطريقة المصرية» وهو نفس ما فعله مخرج آخر جاء بسرعة من إيطاليا هو ستيفانو سامونا في فيلمه «ميدان التحرير» الذي تابع فيه مشاعر الأمل واليأس والغضب والألم من خلال ثلاثة من شباب الميدان الذين ساهموا في إسقاط نظام مبارك، والفيلم الأخير هو «أغاني القاهرة» لمخرجان ألمانيين هما الكسندر بريف ويوهانس روسكام الذي اختار التعبير عن مشاهد الثورة في القاهرة من خلال أصوات ونغمات فنانيها الموسيقيين وكتاب الأغاني والألحان وتلك الفرق الجديدة التي ألهمتها الثورة واللحظة فكرة التعبير والاحتجاج بالفن، أنه برنامج مهم بالفعل يعيد التذكير بأيام تجاوزها الواقع الآن في مصر مع انتخاب رئيسها الجديد وإعلان فوز الدكتور محمد مرسي في نفس اليوم الأول لعروض المهرجان. وحيث شغل هذا الحدث ضيوف المهرجان الذي يعود إلي حيز الأحداث الثقافية والفنية المميزة بعد توقف في العام الماضي، صحيح أن موعده الجديد أصبح في يونيو وليس أكتوبر، وأن إدارته تغيرت، ولكن الأهم أنه مازال مهرجان الأفلام التسجيلية والقصيرة الدولي المرموق الذي تقيمه مصر في مدينة الإسماعيلية، وأن وزير ثقافتها د. صابر عرب افتتحه بكلمة رائعة مؤكدا أهميته واستمراره، وأن رئيسه الجديد المخرج مجدي أحمد علي رئيس المركز القومي للسينما، أكد دوره وحيا جهود رؤسائه السابقين، كما قدم مديره الجديد – الناقد أمير العمري – رؤيته الملخصة في شعار هذه الدورة «الطريق إلي الآخر» في سعيها لتقديم أفلام تحمل معني التواصل والتفهم لأحوال الآخر سواء ثورته علي الظلم والقهر، أو رفضه للكثير من الأوضاع أو حتي تعبيره عن «وجهة نظر» بعيدة عن الآخر مثل ذلك الفيلم الذي بدأنا المقال بالحديث عنه «مع فيديل مهما حدث» للمخرج البلغاري جوران رادوفانوفيك ومن إنتاج مشترك بين اسبانيا وصربيا، والذي صوره في كوبا عن الأحوال هناك بعد نصف قرن من ثورة فيديل كاسترو من أجل الحرية للطبقة العاملة ضد المستغلين والرأسماليين، يطرح الفيلم صورة للمجتمع الكوبي الآن تشي بالكثير من صور الضائقة الاقتصادية التي تماثل ما نعرفه عن دول العالم «الثالث»، طرقات مكسرة، وسيارات نقل قديمة تنقل العمال وليس البضائع، شباب يبحث عن عمل بصعوبة، وبعضه يمارس أعمالا يدوية من منازلهم مثل الحلاقة مستعينا بقماشة يضعها حول الزبون هي في حقيقتها علم قديم أحمر للثورة السوفيتية، ومع ذلك فالكل يحتمل همه، العجوز الذي يقود دراجة قديمة تجر بدورها سيارة أقدم يتوقف كل دقيقة لتشغيلها، أو الطبيب الذي يركب حصانا للذهاب إلي المريض بعد أن تعطل الأتوبيس الذي يشبه الوحش الخرافي القديم، كلهم متعبون، لكنهم يتجمعون في مسيرة تحية الثورة في ذكراها في نهاية الفيلم، وهم يهتفون لذكري الرجل الذي أحب أنصافهم وأنصاف الطبقة العاملة.. هل كان كاسترو رومانسيا.. أم «حسبها» بشكل آخر؟ المؤكد أن الثورات في كل مكان تستغل لأسباب نهائية، مثل قهر لا يمكن احتماله، وفساد لا يمكن تجاوزه، وظلم يفوق الحدود، ولكنها لا تصل إلي مرفأ الأمان إلا بتدابير أخري ضرورية للثوار، هكذا تقول الأحداث.. وهكذا تسجل السينما في أفلامها التسجيلية الطويلة والقصيرة، وبينها مجموعة أفلام ضمها برنامج أضافه المهرجان لمشاهديه بعنوان «سينما المرأة في الثورة» يطرح بتوقيع المخرجات المصريات الجديدات صورا عديدة ورؤي مختلفة للثورة مثل فيلم «موقعة الجمل» لمخرجته هبة الحسيني و«الشارع لنا» لمخرجته نيفين شلبي و«المستشفي الميداني» لمخرجته ساندرين صامويل و«في ظل رجل» لمخرجته حنان عبدالله، وبرعي هذا البرنامج مركز وسائل الاتصال الملائمة من أجل التنمية إحدي مؤسسات المجتمع المدني في مصر التي تقدم جائزة من لجنة تحكيم خاصة لدعم أفلام المرأة منذ سنوات إضافة لجوائز لجنة التحكيم الدولية للمهرجان ولجان تحكيم اتحاد التسجيليين المصريين واتحاد نقاد السينما.