استمرار فعاليات برنامج التبادل الطلابي بكلية الطب جامعة حلوان    لدعم الدولة.. تفاصيل مبادرة «وطنك أمانة» من المصريين في الخارج    تراجع أسعار العملات العربية في بداية تعاملات اليوم 24 أغسطس 2025    أسعار الأسماك اليوم الأحد 24 أغسطس في سوق العبور للجملة    الرعاية الصحية: بحث تعزيز التعاون مع هيئة سلامة الغذاء في مجال التغذية العلاجية وبناء منظومة لتدريب العاملين بالأقسام الفندقية    جيش الاحتلال يعلن مقتل 78 ضابطا وجنديا بنيران صديقة منذ بدء الحرب    جيش الاحتلال يُعلن عودة فريق اللواء 401 للقتال في جباليا شمال قطاع غزة    إسرائيليون يقتحمون المسجد الأقصى    مظاهرة للمصريين بالنمسا تأييدا للقيادة السياسية والتضامن مع الشعب الفلسطيني    إعلام روسي: الدفاعات الروسية تدمر 95 طائرة مسيرة أوكرانية خلال هجوم ليلي    مصادر إسرائيلية: الجيش يرفض تكرار المواقف المتطرفة التي أثارت الجدل بداية الحرب    اليوم .. 3 مباريات في انطلاق الجولة الرابعة من الدوري    وسام أبوعلي يسجل ظهوره الأول مع كولومبوس كرو في الدوري الأمريكي    الأرصاد: استمرار ارتفاع درجات الحرارة اليوم.. وهذا موعد التحسن    الشرقية تنفذ قرارات إزالة العقارات الآيلة للسقوط حفاظًا على أرواح المواطنين    إنستجرام تسمح لمنتجي المحتوى بربط عدة فيديوهات قصيرة في سلسلة واحدة    حسام داغر يودّع بهاء الخطيب بكلمات مؤثرة: «قلبي موجوع.. دموعي منشفتش من يوم تيمور»    «كايروكي وتوليت» يختتمان فعاليات مهرجان العلمين 2025.. الجمعة    محمود سعد يكشف حقيقة تعرض أنغام لخطأ طبي أثناء الجراحة    مدير القوافل الطبية بالصحة: نستهدف الأماكن البعيدة عن المستشفيات والخدمات مجانية    مرشحو الأحزاب VS المستقلون «السوبر»    صلاح.. الملك المتوج    جرائم الإخوان لا تسقط بالتقادم    وزير الدفاع والإنتاج الحربي يلتقي بعدد من مقاتلي المنطقة الغربية العسكرية    نسأل لماذا لا تنخفض الأسعار رغم هبوط الدولار؟    حالة الطقس اليوم الأحد.. تحذير جديد للمصطافين    بعد وفاة عامل دليفري.. القبض على صاحب مصحة لعلاج الإدمان بأبو النمرس    نسأل لماذا يا وزير التعليم الإصرار على وجود 3 أنظمة للثانوية العامة؟!    النشرة المرورية.. كثافات متحركة للسيارات بمحاور القاهرة والجيزة    وزير الاتصالات ل"إكسترا": 60 دولة تشارك فى قمة الذكاء الاصطناعى بالقاهرة    لفترة تقترب من 24 ساعة.. قطع المياه غدا عن هذه المناطق    مدير الفاو: سكان غزة استنفدوا كل سبل الحياة الممكنة    أحمد بهاء الدين مفكر الصحافة    محافظة الجيزة تنفى انقطاع الكهرباء عن مناطق بالعمرانية..وتؤكد: الوضع طبيعى    «100 يوم صحة» تقدم 59.4 مليون خدمة طبية مجانية خلال 39 يوما    بدءًا من اليوم.. فتح باب قبول تحويلات الطلاب إلى كليات جامعة القاهرة للعام الجديد    حظك اليوم الأحد 24 أغسطس وتوقعات الأبراج    "سيد الثقلين".. سر اللقب الشريف للرسول صلى الله عليه وسلم في ذكرى مولده    في ذكرى المولد النبوي.. أفضل الأعمال للتقرب من الله وحب رسوله صلى الله عليه وسلم    45 دقيقة تأخرًا في حركة قطارات «طنطا - دمياط».. الأحد 24 أغسطس    فى حفل توزيع جوائز نقابة مديرى المواقع الدولية LMGI.. المديرة التنفيذية لرابطة مفوضي الأفلام الدولية AFCI: لجنة مصر للأفلام حققت المستحيل بتصوير Fountain of Youth بالهرم مستخدمة هيلوكوبتر وسط مطاردات بالأسلحة    تنسيق الدبلومات الفنية 2025.. كليات التجارة و التربية ومعاهد الفني الصحي المتاحة تجاري 3 سنوت (قائمة كاملة)    "فشلت محاولته لكسر النحس".. هل تجربة النصر الأسوأ رقميًا لرونالدو؟    رفضت منحة من جامعة أمريكية، مفاجأة عن الطالبة عائشة ضحية واقعة التلاعب بالتنسيق    من روحانيات الشيخ ياسين إلى مفاجأة مدحت صالح، مشاهد خطفت الأنظار بحفلات مهرجان القلعة (فيديو وصور)    دعاء الفجر | اللهم يسّر أمورنا واشرح صدورنا وارزقنا القبول    لدعم صحتك وصحة الجنين.. أهم الأطعمة التي يُنصح بها خلال الحمل    بالصور.. ليلى علوي وأحمد العوضي وإلهام شاهين في الساحل الشمالي    شاب بريطاني لم يغمض له جفن منذ عامين- ما القصة؟    وزير الصحة: نضمن تقديم الخدمات الصحية لجميع المقيمين على رض مصر دون تمييز    كما كشف في الجول - القادسية الكويتي يعلن التعاقد مع كهربا    برشلونة ينجو من فخ ليفانتي بفوز مثير في الدوري الإسباني    رمضان السيد: أتوقع مشاركة الشناوي أمام غزل المحلة    جانتس يدعو لتشكيل حكومة وحدة في إسرائيل لمدة عام ونصف    خلال 72 ساعة.. «الداخلية» تطيح ب21 من أخطر العناصر الإجرامية وتضبط مخدرات وأسلحة ب1.25 مليار جنيه    «قولتله نبيع زيزو».. شيكابالا يكشف تفاصيل جلسته مع حسين لبيب    هل يجوز قراءة القرآن أثناء النوم على السرير؟.. أمين الفتوى يجيب    ما حكم التزوير للحصول على معاش؟.. أمين الفتوى يجيب    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حين لجأت الدولة للكنيسة‏!‏

قلت في مقالة الأربعاء الماضي إن الوحدةالوطنية ثقافة حديثة لم تكن متاحة لنا من قبل‏,‏ لأن الوحدة الوطنية هي صورة الانتماء الوطني الذي يجمع بيننا, وتقوم عليه الدول في هذا العصر الحديث. وهو يختلف عن الانتماء الديني الذي كانت تقوم عليه الدول في العصور الوسطي.
وكما أن الوحدة الوطنية ثقافة حديثة, فالفتنة الطائفية ثقافة قديمة وهي الآن ثقافة مضادة تتشبث بما نختلف فيه, ولاتهتم بما نتفق حوله, وتقدم ما يتغير ويتحول علي ما يبقي ثابتا أبد الدهر.
لقد غيرنا عقيدتنا الدينية ثلاث مرات وبقينا مصريين. وهذه حقيقة لايلتفت لها الكثيرون من المصريين الذين قصرت الدولة دائما في تعليمهم فتولي تربيتهم شيوخ الزوايا وجماعات الاسلام السياسي ونجوم الافتاء الجدد الذين ينظرون لتاريخ مصر السابق علي الفتح العربي وكأنه جاهلية اخري لاتختلف عن جاهلة العرب التي سبقت ظهور الاسلام. ولهذا يتجاهلونه ويسقطونه من حسابهم كأنه لم يكن. وكأن تاريخنا لم يبدأ الا بدخول العرب مصر. بل هم يتجاهلون المرحلة الطويلة التي تلت الفتح ولم يكن فيها العرب المسلمون ومن اعتنق الاسلام من المصريين الا اقلية عاشت مايقرب من اربعة قرون إلي جانب الاكثرية المسيحية التي بقيت علي دينها, وإن ظلت تتناقص طوال القرون العشرة الماضية حتي صارت أقلية.
ولا شك أن المسيحيين تمتعوا في الدول الاسلامية بقدر من التسامح لم تتمتع به الاقيات الدينية في دول اوروبا المسيحية, لكن هذا التسامح لم يصل الي حد مساواتهم بالمسلمين, ولم يمنع من التضييق عليهم بصور مختلفة ألجأت البعض لاعتناق دين الحكام, ودفعت البعض للثورة التي قمعت بعنف شديد انكر معه المصريون انفسهم وتبرأوا من تاريخهم واصبحوا ينظرون اليه بعيون عبرانية, فهم يشتمون الفراعنة جميعا لأن أحدهم طرد بني إسرائيل من مصر!
وبما أن مصر القديمة قد سقطت من الذاكرة المصرية, وأصبح الفتح العربي هو بداية التاريخ عند كثير من المصريين فهم ينظرون الي انفسهم وكأنهم كانوا دائما كما هم الآن: أكثرية تنتمي لما بعد الفتح, وأقلية تنتمي لما قبله!
أقول إن هذه تصورات خرافية تسببت فيها الامية واملاها الجهل والتعصب. فالتاريخ المصري بدأ قبل ظهور الاسلام بخمسة آلاف عام علي الاقل. ومصر كانت دولة قوية موحدة منظمة منذ الألف الرابع قبل الميلاد. والمصريون طوال هذا التاريخ شعب متحضر, بل هو الذي وضع أساس الحضارة البشرية. وقد عرف المصريون للدين مكانه, وعرفوا الوحدانية, وقدسوا الخير والعدل والحق والجمال, وآمنوا بالروح والبعث والثواب والعقاب.
فاذا انتقلنا الي العصر المسيحي الذي امتد من القرن الميلادي الأول الي القرن العاشر أو الحادي عشر فسوف نجده استمرارا وتطورا منطقيا لما سبقه. المصريون رأوا في المسيحية تعبيرا جديدا عن القيم التي ورثوها من آبائهم الفراعنة فاعتنقوها وذهبوا في فهمهم لها مذهبا مصريا خاصا بهم يختلف عن مذهب روما الكاثوليكية وبيزنطة الملكانية. وقد تمثل هذا المذهب في عقيدة التوحيد. فالمسيح بالنسبة للكنيسة المصرية طبيعة واحدة لاينفصل فيها اللاهوت عن الناسوت.
هذا الايمان بالتوحيد لم يكن مجرد اجتهاد ديني, وإنما كان الي جانب هذا نضالا وطنيا دافع فيه المصريون عن حريتهم واستقلال بلادهم الذي قضي عليه الغزاة الاجانب فلم يبق لمصر إلا استقلالها الفكري ودولتها الروحية التي تمثلت في الكنيسة القبطية المستقلة.
لقد لجأت الدولة للكنيسة. ولقد كان اختيار البابا المصري عيدا وطنيا يعلن فيه المصريون ان دولتهم مازالت قائمة.
وكما كانت المسيحية المصرية امتدادا لحضارتنا السابقة كان الاسلام المصري امتدادا لما سبقه. فالمصريون الذين اعتنقوا الاسلام هم انفهسم الذين اعتنقوا المسيحية من قبل, وهم انفهسم الذين كانوا يصلون لايزيس وأوزوريس.وسوف أعود في مقالة قادمة لأتحدث بشيء من التفصيل عما قدمته مصر للمسيحية والاسلام.
وهناك من يظن ان المسلمين المصريين الحاليين هم ابناء الفاتحين العرب, اما الاقباط المسيحيون فهم وحدهم ورثة المصريين القدماء. وهذه خرافة من الخرافات التي يصدقها المغلوبون في بعض الاحيان فينسبون انفهسم للغالبين. وقد حفظ لنا التاريخ قصص بعض الاقباط الاغنياء الذين اعتنقوا الاسلام ثم رشوا بعض القضاة ليشهدوا بأنهم عرب ينتمون لإحدي القبائل العربية. وربما قصصت عليكم احدي هذه القصص بشئ من التفصيل في حديث آخر.
لقد دخل عمرو بن العاص مصر بجيش لم يزد علي اربعة آلاف مقاتل استطاع به ان يسيطر علي البلاد مستفيدا مما كان بين المصريين والمحتلين البيزنطيين من عداء حال دون ان يساعد المصريون حكامهم البيزنطيين رغم انهم مسيحيون مثلهم. والمصريون في ذلك الوقت نحو ثمانية ملايين كان باستطاعتهم ان يقفوا بقوة في وجه العرب, لكنهم لم يفعلوا لأنهم ضاقوا ذرعا بالبيزنطيين, ولانهم وجدوا قائد الجيش العربي عمرو بن العاص يتصرف مع الكنيسة المصرية باعتدال واحترام.
كيف أصبحت هذه الآلاف القليلة من العرب المسلمين الذين فتحوا مصر اغلبية؟ والاجابة بكل بساطة هي ان المسلمين اصبحوا أغلبية في مصر لان غالبية المصريين تحولوا من المسيحية الي الاسلام. وبعد ان غيروا دينهم غيروا لغتهم القبطية, فاصبحت العربية لغة الاغلبية. حتي اذا وصلنا للقرن السادس عشر انقطع الكلام باللغة القبطية في القري النائية التي كانت لاتزال تتكلمها, وأصبحت العربية لغة المصريين جميعا مسلمين ومسيحيين. بينما حافظ النوبيون المصريون علي لغتهم بفضل بعدهم عن مراكز السلطة العربية وتأخر دخولهم في الاسلام.
باختصار, المسلمون المصريون هم المسيحيون المصريون, والمسيحيون هم المسلمون. وهذه هي الحقيقة الثابتة التي ينبغي علي المصريين جميعا ان يعرفوها ويفهموها ويعتزوا بها ويؤسسوا عليها ثقافتهم الوطنية التي آن لها ان تحل محل الخرافات الموروثة, وما تثيره من فتنة وانقسام.
المزيد من مقالات أحمد عبد المعطي حجازي


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.