للوهلة الأولي تبدو وكأنها سيدة وابنتها تمارسان عملهما اليومي من أجل لقمة العيش في إحدي القري المصرية لتكتشف أنها سيدة وابنتها من قرية في جنوب طاجيكستان.. أي في قارة أخري ولكنها ملامح الفقر والمعاناة الإنسانية التي تتشابه مهما بعدت المسافات أو اختلفت الثقافات. السيدة الطاجيكية وتدعي جولمور هي إحدي ضحايا ظاهرة اجتماعية تهدد المجتمع الطاجيكي, خاصة في الريف, وهي ارتفاع نسبة الطلاق بصورة كبيرة في الأسر التي اضطر فيها الزوج للسفر إلي روسيا بحثا عن العمل. التقديرات الرسمية تشير إلي أن هناك حوالي1.3 مليون طاجيكي يعملون في روسيا وأنهم يساهمون بنسبة45 في المائة من اجمالي الدخل القومي لطاجيكستان. الإحصاءات الرسمية أيضا تشير إلي ارتفاع معدلات الطلاق بنسبة14.3 في المائة خلال عام2012 وحده نظرا لرفض الكثير من العاملين بروسيا العودة لطاجيكستان,ولكنه لا يوجد حصر شامل لاعداد النساء التي وقع عليهن الطلاق. ومما يزيد من صعوبة الحصر, بخلاف إحجام الكثيرين خاصة في الريف عن تسجيل الزواج أو الطلاق أو الميلاد, أن كثير من حالات الطلاق تتم عن طريق إلقاء اليمين عبر الهاتف وذلك علي الرغم من اصدار لجنة الشئون الدينية قرارا العام الماضي يفيد بعدم شرعية هذا الإجراء. ومع وقوع الطلاق والذي يرافقه عادة ليس فقط حرمان المطلقة وأولادها من النفقة بل من المسكن الذي يأويهم, تضطر جولمور ونظيراتها للعودة بأولادهن( التقاليد الطاجيكية تشجع كثرة الانجاب) إلي منزل العائلة لتواجهن التأنيب العلني أو المستتر لجلبهن مزيدا من الأفواه الجائعة للمنزل المكتظ.وتضطر الأغلبية للعمل في الحقول مقابل قروش زهيدة حيث تحصل الواحدة, وفقا لتقرير ال بي بي سي,علي أقل من عشرة سنتات مقابل جمع كيلو من القطن, أي أن جولمور بمساعدة بناتها الأربعة تحصل في نهاية اليوم علي عشرة دولارات مقابل جمع150 كيلو من القطن! ولا تتوقف التأثيرات السلبية للطلاق عند حد نقص الأموال وسوء التغذية وارتفاع معدلات عمالة الأطفال بل تترك أثرا لا يمحي في نفسية الأبناء, حيث أشارت دراسة لليونيسف حول الوضع في طاجيكستان إلي أن التأثير النفسي الاجتماعي لظاهرة الطلاق شديد, حيث تلجأ الفتيات للانزواء والاكتئاب, أما الصبيان فيؤدي غياب الأب إلي لجوئهم للعنف. أوضاع العاملين الطاجيك في روسيا كانت علي مائدة المناقشات خلال زيارة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لطاجيكستان في أوائل الشهر الحالي والتي جاءت أساسا بهدف تجديد عقد القواعد العسكرية الروسية الثلاث في طاجيكستان لمدة30 عاما مقبلة بعد انتهاء العقد الحالي في.2014 بوتين اتفق مع نظيره الطاجيكي رحمانوف علي منح تصاريح عمل للعمال الطاجيك لمدة ثلاثة أعوام بدلا من عام واحد وتمديد المهلة لتسجيل وجودهم في روسيا إلي اسبوعين بدلا من ثلاثة أيام. الاتفاق الجديد جاء لمصلحة العمال الطاجيك واقتصاد طاجيكستان ولكنه علي حساب النساء والاطفال الفئة الأضعف في مجتمعات الفقر, وكما تشير الأم تريزا الراحلة إلي أن أقصي أنواع الفقر هو الافتقار إلي الرعاية والحب والرغبة في وجودك.