دعيت إلي حلقة نقاش حول موضوع المياه في الدستور نظمتها نقابة المهندسين يوم12 سبتمبر2012, وطلب المنظمون مني أن ألقي محاضرة قصيرة عن السياسات المائية في مصر خلال القرن العشرين, وبدايات القرن الحادي والعشرين, وقد انتهيت في هذه المحاضرة إلي مجموعة من النتائج ألخصها فيما يلي: إن السياسات المائية في مصر ارتبطت بأحداث وتغيرات داخلية وخارجية. انتقلت مصر خلال السياسة المائية الأخيرة التي صدرت عام1997 والتي تمتد حتي عام2017 من السياسات التي تقوم علي التنمية إلي السياسات التي تعتمد علي التحصيص, بمعني أنه ليس هناك مجال للتوسع الأفقي في الزراعة باستصلاح مزيد من الأراضي الصحراوية ما لم تتمكن البلاد من زيادة حصتها من مياه النيل, وأن المستقبل سيسمح فقط بتوزيع الحصة القائمة علي الأنشطة المختلفة( الشرب الزراعة الصناعة السياحة وتنمية الثورة السمكية). ونظرا لأن المنافسة بين الزراعة وباقي الأنشطة ليست بالضرورة في صالحها لضعف العائد المادي منها وزيادة الفواقد الناتجة عنها... لذا فإن باقي الأنشطة ستتوسع علي حساب الزراعة التي سيكون عليها خفض الاستهلاك مع مضاعفة الانتاج ولن يكون ذلك إلا بتغيير جذري في المركب المحصولي وتحسين نظم الري. إن السياسات المائية المتعاقبة في مصر قامت علي أساس قطف الثمرة الأكثر دنوا من الأرض أولا بمعني أن البداية كانت باستخدام مياه النيل, تلي ذلك استخدام المياه الجوفية ثم إعادة استخدام مياه الصرف, ثم حصاد الأمطار ثم إعذاب تحلية مياه البحر والمياه المالحة, وكان تطبيق القاعدة علي أساس النوعية أيضا بمعني البدء بالمياه الأكثر جودة ثم التطرق إلي النوعيات الأقل وهكذا. إن مستقبل المياه في مصر يواجه العديد من التحديات التي يعتبر أهمها علاقة البلاد بدول حوض النيل وأهمها اثيوبيا والسودان شماله وجنوبه, كذلك تعتبر التغيرات المناخية من أهم هذه التحديات ويقف التلوث كتحد هائل أمام الإدارة المتكاملة للمياه في البلاد, هذا بالإضافة إلي التحدي الحقيقي الذي يتمثل في الانفجار السكاني والحاجة الملحة للقادمين الجدد من المياه كما ونوعا. إن منظومة المياه تحتاج إلي إصلاح مؤسسي شامل يعتمد علي شراكة المستخدمين وتطوير المؤسسات والعديد من التدخلات الصلبة( الإنشائية) والناعمة( الإدارية). وقد اقترحت علي المشاركين أن يكون النص الدستوري الخاص بالماء علي النحو التالي: إن الماء بجميع مصادره( مياه النيل مياه الأمطار المياه الجوفية) ملكية عامة وأن الدولة مكلفة بالإدارة الرشيدة له وإن كل مواطن في مصر له الحق في ماء شرب بالقدر الكافي, وحسب ما تسمح به إمكانات البلاد بحيث لا يقل كما عن مقررات المنظمات الدولية, وأن يكون ذا نوعية صالحة, أما ما يزيد علي ذلك فيحاسب عليه الأفراد طبقا للتكاليف الفعلية التي تتحملها الدولة. أن كل مزارع له الحق في كمية من المياه تحددها الدولة بدون مقابل مادي, أما ما يزيد علي ذلك فيكون الحساب عليه طبقا لتكاليف نقل وتوزيع الماء وتشغيل وصيانة منظومة الري, كما أن المياه التي توفر للأغراض الصناعية والسياحية والثروة السمكية تحاسب عليها جهات الاستهلاك طبقا للتكاليف الفعلية لتوصيلها إلي هذه الأنشطة تكون الدولة مسئولة عن توصيل المياه إلي جميع الأنشطة في المواعيد وبالكمية والنوعية المناسبة, وتتحمل الدولة مسئولية أي أضرار تنجم عن الإخفاق في أداء هذه الحقوق. المزيد من مقالات د. ضياء الدين القوصي