يتصاعد الخلاف حول ما ينشر من صياغات أولية لمواد الدستور الجديد مع اقتراب لجنة إعداد الدستور من إنهاء مهمتها. ويدور هذا الخلاف أساسا حول مقومات المجتمع وهوية الدوله وطبيعة نظام الحكم ومدي تمتع المواطنين في ظل الدستور الجديد بحقوقهم وحرياتهم الاساسية وهي امور تندرج جميعا تحت مفهوم الديمقراطية باعتبارها نظاما للحكم يقوم علي أسس العدالة والمساواة والحرية, ويحقق مبادئ مثل فصل السلطات وإستقلال القضاء وإحترام الحريات السياسية, ويدعم مؤسسات المجتمع المدني, ويضمن حقوقا سياسية لكل المواطنين البالغين, ويوفر التعددية السياسية وتداول السلطة وفق ضمانات تحول دون حدوث إنقلاب علي الديمقراطية بعد الوصول إلي الحكم بفضلها. وقد جسد الإعلان العالمي لحقوق الإنسان هذه المعاني في المادة(21) التي تعتبر حجر الزاوية في هذا الإعلان. والتي نصت علي: لكل فرد الحق في الاشتراك في إدارة الشئون العامة لبلاده إما مباشرة وإما بواسطة ممثلين يختارونه اختيارا حرا. لكل شخص نفس الحق الذي لغيره في تقلد الوظائف العامة في البلاد. إن إرادة الشعب هي مصدر سلطة الحكومة, ويعبر عن هذه الإرادة بإنتخابات نزيهة دورية تجري علي أساس الاقتراع السري وعلي قدم المساواة بين الجميع أو حسب أي إجراء مماثل يضمن حرية التصويت. هكذا حسم الإعلان العالمي لحقوق الإنسان مسألة الديمقراطية بإقراره أن مصدر شرعية الحكم أي حكم هو إرادة الشعب التي يعبر عنها بإنتخابات نزيهة دورية تجري علي أساس الإقتراع السري. ويعتبر هذا المبدأ خلاصة التجربة الإنسانية وما انتهي إليه نضال الشعوب لتأكيد حقها في اختيار حكامها. وقد تصورت بعض القوي السياسية في مصر أن الديمقراطية يمكن أن تتحقق بمجرد السماح بقيام أحزاب متعددة إو إجراء إنتخابات دورية لتشكيل البرلمان وإصدار صحف حزبية, وتصورت أيضا نتيجة لهذا الفهم الخاطئ أن التحول الديمقراطي يمكن أن يتم في فترة وجيزة, وغابت عنها الرؤية السليمة التي تساعدها علي السير بنجاح نحو هذا الهدف وما يتطلبه من شروط وإجراءات. وقد استقرت الديمقراطية في العديد من المجتمعات عندما تعاملت مع الديمقراطية وفق مفهوم إجرائي يعتبرها صيغة لإدارة الصراع في المجتمع الطبقي بوسائل سلمية, من خلال قواعد وأسس متفق عليها سلفا بين جميع الأطراف, تضمن تداول السلطة بين الجميع من خلال إنتخابات دورية حرة ونزيهة فالمجتمع ليس مجرد كم من الأفراد بل هو يتكون من طبقات يترتب علي وجودها علاقات وصراعات ومنافسات وتحالفات, وإذا لم ينجح المجتمع في تنظيم الصراع الطبقي بوسائل سلمية, فإنه يتعرض لمخاطر العنف الذي قد يصل إلي حد الحرب الأهلية, من هنا فإن الديمقراطية كإطار لتنظيم الصراع الطبقي بوسائل سلمية هي مسألة نسبية وعملية تاريخية متدرجة تبدأ عندما يتمكن المجتمع المعني من السيطرة علي مصادر العنف وإدارة أوجه الإختلاف سلميا تعبيرا عن إجماع القوي الفاعلة علي ضمان الحد الأدني من المشاركة السياسية الفعالة لجميع المواطنين دون إستثناء ومع استقرار الممارسة الديمقراطية تتطور وتنضج هذه العملية التاريخية, وقد إحتاجت أوروبا إلي أربعة قرون لإنجاز عملية الإنتقال إلي الديمقراطية أو مرحلة التحول الديمقراطي بهذا المفهوم. واختصرت دول أخري المدة اللازمة للإنتقال إلي الديمقراطية إلي سنوات محدودة عندما نضجت شروط قيامها كما حدث في شرق أوروبا مؤخرا. فالفيصل هنا هو مدي توافر الشروط الأساسية للتحول الديمقراطي وعلاقات القوي في المجتمع بين القوي السلطوية والقوي الديمقراطية. تنجح الديمقراطية في تنظيم الصراع الطبقي سلميا بقدر ما توفر للمجتمع نظاما للعلاقات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والثقافية ينظم العلاقات بين أفراد وطبقات المجتمع من ناحية, وينظم العلاقات بين الدولة والمجتمع من ناحية أخري, وينظم العلاقات داخل الدولة وبين مؤسساتها تنفيذية, وتشريعية, وقضائية من ناحية ثالثة, وغني عن الذكر أن هذا التنظيم للعلاقات في المجتمع وبين مؤسسات الدولة يفضي في النهاية إلي الآلية الرئيسية لتحقيق سلمية الصراع وأعني بها تداول السلطة السياسية سلميا بين مختلف الطبقات الإجتماعية والقوي السياسية المعبرة عنها من خلال الإنتخابات العامة الدورية الحرة والنزيهة. ومن المهم هنا الوعي بأنه لايمكن قيام الديمقراطية دون تحقيق المساواة بين المواطنين, خاصة المساواة أمام القانون, وكذلك التداول السلمي للسلطة بشكل دوري عبر أنتخابات حرة. وتعتبر المساءلة والشفافية سمتين أساسيتين ومميزتين للحكم الديمقراطي, سواء كان ذلك عبر البرلمان( السلطة التشريعية) أم وسائل الإعلام أم مؤسسات المجتمع المدني وأنشطة الرأي العام, ولذلك فإن حق التعبير والمشاركة السياسية هما من أركان العملية الديمقراطية, إذ لايمكن بدونهما سواء عبر الأغلبية في الحكم أو الأقلية في المعارضة أن تكتمل العملية الديمقراطية. وعلي هذا الأساس, فالديمقراطية لا تعني حرية إختيار الحكام من جانب المحكومين فحسب, بل هي أيضا مجموعة الضمانات القانونية ضد التعسف السياسي, أي إعمال إرادة الحرية وتحقيق قدر أكبر من التمثيل السياسي, علي قاعدة من المساواة وتنظيم الحقوق المجتمعية من خلال مشاركة سياسية للحد من سلطوية الدولة وتغولها ضد حق المواطنين قدر الإمكان. من هذا الفهم للديمقراطية ومكوناتها الأساسية يمكن النظر إلي المناقشات الدائره حاليا حول الدستور باعتبارها تعبيرا عن وعي المجتمع وقواه الحيه باهمية ان يستوفي الدستور الجديد الشروط الضرورية لإقامة نظام حكم ديمقراطي, ومن الخطأ ان نعتبرها مؤامرة ضد السلطة الجديدة او ضد القوي صاحبة الاغلبية في لجنة إعداد الدستور, لأن هذا الدستور لن يكتب له البقاء طويلا ولن يتحقق الاستقرار ما لم يكن موضع توافق كل اطراف المجتمع. المزيد من مقالات عبدالغفار شكر