بعد تنفيذ عدد من مشروعات تطوير الري خلال العقود الثلاثة الماضية تحت مسميات مختلفة وبتمويل من مصادر متعددة في مساحات تناهز نصف مليون فدان من أصل زمام ستة ملايين فدان تعرف علي أنها أراض قديمة في الوادي والدلتا من الممكن تطبيق مشروعات تطوير الري بها, ويقوم مشروع تطوير الري الحالي علي فكرة تحويل المسقي المكشوفة الي مسقي مواسير مدفونة تحت سطح الأرض تضخ فيها المياه مباشرة تحت ضغط منخفض من محطات طلمبات مجمعة عند رأس المسقي تعمل بالتيار الكهربائي لتجب بذلك عمل الطلمبات المنتقلة التي يستخدمها المزارعون علي امتداد المسقي المكشوفة لرفع المياه إلي مراويهم. وقد تم استبدال هذه الطلمبات المتنقلة بمحابس تضخ المياه عند المراوي لتتم عملية الري بطريقة أيسر, كما تعتمد حزمة التطوير علي تكوين رابطة للمزارعين عند كل مسقي تكون مسئولة مسئولية كاملة عن تشغيل وصيانة المسقي وجدولة ساعات تشغيل المحابس. ويتم استعادة تكاليف إنشاء محطات الطلمبات المجمعة من المزارعين علي ثلاث سنوات في حين يتم استعادة تكاليف إنشاء المسقي المواسير والمحابس المركبة عليها علي عشرين سنة, وتتحمل الدولة أي زيادة ناتجة عن التضخم, بالإضافة إلي فوائد القروض التي تحصل عليها لتنفيذ هذه المشروعات. أثبت تقويم مشروعات تطوير الري المنفذة حتي الآن أن جل فوائدها تصب في مصلحة المزارع, إذ أنها تؤدي إلي تقليل ساعات التشغيل والعمالة وتكاليف الصيانة, وتسهم في زيادة مياه الري عند نهايات المساقي, الأمر الذي ينتهي إلي نقص تكاليف الري إلي حوالي ثلث التكاليف الحالية وزيادة الإنتاجية الزراعية, ومن ثم زيادة دخل المزارع بنسبة لا تقل عن عشرة بالمائة وقد تزيد في كثير من الحالات, فضلا عن اكتساب مساحات أراض جديدة نتيجة ردم المسقي قد تتعدي الواحد بالمائة لكل فدان. وعلي الرغم من تحقيق هذه الأهداف الاجتماعية والاقتصادية للمزارع في كثير من الأحوال, والتي قد تصب أيضا في مصلحة الدولة بطريقة غيرمباشرة, إلا أن الفائدة المباشرة للدولة والتي تتمحور حول توفير مياه الري وإمكانية استخدام المياه المتوافرة لري زمامات أخري خارج محيط المسقي المطورة لم يتم رصدها بعد, وإنما أسهمت مشروعات التطوير في تحسين عدالة توزيع المياه في الزمامات المروية عند بدايات ونهايات المساقي, وعدم استئثار مزارعي البدايات بنصيب الأسد من المياه. والسؤال المنطقي لماذا إذن تتكبد الدولة ممثلة في وزارة الموارد المائية والري مشقة تنفيذ مشروعات تطوير الري رغم خسارتها التي تعد بالمليارات حتي الآن وفي ضوء عدم ثبوت توفير جزء من مياه الري, ومع عدم توافر إجابة مقنعة نري أنه قد حان الوقت للتفكير في حلول خارج الأطر التقليدية, فإذا كان المزارع هو المستفيد المباشر من تطوير الري فلماذا يقاوم ويعترض تنفيذ التطوير, ولماذا تصر الدولة علي التنفيذ خصوصا مع عدم الاقتناع الكامل للمزارع وهو الذي يجني فوائد المشروع. وقد يكون الحل مطروحا في قيام المزارعين أنفسهم بتنفيذ تطوير الري بعد إقناعهم بعضهم البعض بفوائد التطوير وبعد طرح المشروع عليهم بواسطة أجهزة التوجيه المائي بالوزارة, وفي مناخ ديمقراطي بدأ ينجلي وتتضح معالمه بعد ثورة52 يناير, ومن ثم يتقدم المزارعون بالحصول علي قرض ميسر من أحد بنوك الائتمان الزراعي لتنفيذ التطوير إذا ما تعذر تجميع تكاليف التطوير منهم مباشرة, وحينئذ قد يرغب المزارعون في الحصول علي المعونة الفنية من وزارة الري متمثلة في إعداد التصميمات الهندسية والإشراف علي المقاول الذي سيتم تعاقد المزارعين مباشرة معه دون وسيط لتنفيذ هذه التصميمات, أو إذا ما ارتأوا في أنفسهم القدرة علي التنفيذ وبالمعونة الفنية من وزارة الري. وهنا نري عدم وضع مستهدفات سنوية لتطوير الري غالبا ما نخفق في تحقيقها, وقد ظلت هذه المستهدفات محل جدل كبير بين الوزارات المتعاقبة خلال السنوات الماضية. ويترك الأمر برمته لرغبة المزارع واختياره يتحمله من الألف إلي الياء مطبقين القاعدة الاقتصادية القاضية بأن السلعة الجيدة تسوق نفسها.