ثمانية وعشرون عاما علي تحرير سيناء أرض الفيروز مرت وهي مازالت لم تتحرر من أغلال البطء والبيروقراطية في تحقيق مانصبوا إليه.. الحديث مكرور بضرورة الاهتمام بهذه المنطقة الواعدة الذي قد يشعر معه البعض بالملل من كثرة ترديده لنجد انفسنا مثل كل عام نحتفل بعودة سيناء وتحررها من براثن الاحتلال الاسرائيلي دون أن يحدث ذلك اثرا ملموسا.. فرغم تلك السنين الطوال التي مرت علي تحريرها فإنها مازالت تعاني من مرض الفراغ السكاني الذي لم تفلح الجهود الحكومية في علاجه.. لم تنجح الحكومة حتي الآن في الوصول ولو ولأن المنح تولد في أحضان المحن فلقد تبين للكثير ممن زار هذه المنطقة الواعدة من رجال الأعمال والأعلاميين خطورة ترك هذه المساحات شاغرة بل وقد دفعتهم وطنيتهم إلي البحث عن كيفية استغلال ثرواتها بشكل يساهم في تعميرها.. أن ماقيل عن سيناء وكونها مستقبلا لمصر لايحتاج منا إلي تكرار أو توضيح ولكننا يجب أن ندرك أننا نواجه عدة تحديات تكاد تفرض نفسها في المستقبل في ضوء معطيات وثوابت يؤكدها أهل العلم.. وأول تلك التحديات هو ما يتنبأ به من ارتفاع منسوب البحر في شمال الدلتا التي تأوي أعدادا كبيرة من السكان واحتمالية غرق جزء كبير منها والذي يفرض معه ضرورة التخطيط من الآن لإيجاد أماكن بديلة للسكان أي أن هذا التحدي يتلخص في وجود سكان تبحث عن مكان.. أما التحدي الثاني فهو وجود مكان يبحث عن سكان.. هذا المكان هو سيناء.. فلن يتحقق الأمن والاستقرار سوي بإحداث هذا التوازن بين المكان والسكان.. سيناء تمثل6% من مساحة مصر الكلية وسواحلها تمثل29% من إجمالي طول السواحل المصرية وبرغم تلك المساحة الكبيرة نجد أن توزيع السكان يتركز في أطراف سيناء ويكاد يكون قلب سيناء من مناطق اللامعمور فمتوسط الكثافة يتراوح مابين1:3 نسمة لكل كم2.. ووسط سيناء وحده يمثل36% من أجمالي مساحة سيناء ولايشغله سوي5% من جملة السكان وهذه المنطقة هي أمل مصر ومستقبلها تحتاج إلي أن تنبض بالحياة. منذ تحرير سيناء بدأت حرب التعمير والتنمية لكنها لم ترق الي مستوي الطموح كما أن خطوات التنمية لم تحقق المأمول منها ولعل هذا يرجع إلي تضاؤل حجم السكان في سيناء والذي لايتناسب مع مساحتها الكبيرة مما يزيدنا إصرارا إلي ضرورة السعي لتوطين أبناء مصر في هذه البقعة الغالية.. فنحن أمام مطرقة الازدحام الهائل والمتزايد في العاصمة والمضر بالصحة النفسية والجسدية للمواطن وأمام سندان الفراغ القاتل والمغري في سيناء والمضر بالصحة الأمنية والاستراتيجية للوطن.. كل هذه التحديات تفرض علي الحكومة أن تضع مغريات وعناصر جذب لتحقيق هذه المعادلة التي لا أراها صعبة التحقيق إذا ماتم التعامل معها جيدا.. ولعل أحد أهم تلك المغريات التي تستطيع أن تجتذب فئات كبيرة إلي سيناء وتسهم في تحقيق التوطين المستهدف هو تقديم إعفاءات ضريبية تشجع علي الاستقرار وإقامة المشروعات الاستثمارية والتنموية في هذا الجزء الغالي من أرض مصر. إن المخلصين من أبناء هذا الوطن وهم كثر علي أتم الاستعداد لأن يظهروا حسهم الوطني ويؤكدوا عليه إذا ماساعدتهم الدولة في ذلك بتقديم تلك الاعفاءات الضريبية التي هي كلمة السر في تحرير سيناء من بطء التنمية وهي لن تكون لها هذا المفعول المؤثر تجاه المؤامرات والاطماع فحسب بل ستعيد التوازن الديموجرافي بين المكان والسكان مما سيكون له تأثير ايجابي واضح وملموس علي صحة الوطن والمواطن وستكون انتصارا حقيقيا لحرب باردة تزداد سخونة بيننا وبين الاحلام الصهيونية الزائفة.. فهل ستسارع حكومتنا باتخاذ خطوات ايجابية لوضع حلول جذرية لمشكلة الفراغ السكاني في سيناء وتسعي الي استغلال ثرواتها؟.