أين الأخونة في تشكيل أول حكومة بعد تولي أول رئيس منتخب صلاحياته؟ وأين الأخونة في حركة تغيير رؤساء تحرير الصحف القومية؟ وأين الأخونة في حركة حركة السفراء ورؤساء البنوك الأخيرة؟ وأين الأخونة في صفوف القيادات العسكرية والشرطية والشركات والمؤسسات والإدارات الحكومية.. إلخ؟ ثم: أي "أخونة" ؟ وبأي معنى؟ لقد رأينا أنه بدلا من تعريف المصطلح تعريفا سليما؛ تم نشره، والترويج له، فيما يشبه "الفوبيا"، والهوس المرضي، لإشاعة أجواء من الفزع والنفور، وقطع الطريق على تجربة التداول السلمي للسلطة بعد الثورة، ومصادرة حق الإخوان في ذلك، برغم أن هذا الحق، والواجب، جاء من خلال صندوق الانتخابات، والإرادة الشعبية. حدث ذلك بعد أن نجح مناوئو الديمقراطية -نسبيا- في تعبئة مصطلح "الأخونة" بكل المعاني السلبية، من الرغبة في التكويش والاستبداد والتسلط الديني، وكون "الأخونة" إذا حدثت ستكون الطامة الكبرى، والكارثة العظمى، وستكون -بزعمهم- آخر فرصة للديمقراطية في مصر، وستقضي مستقبلا على التناوب السلمي على الحكم. هذا تعريف فاسد ومغرض للمصطلح؛ لأن "الأخونة" ضد هذا كله، فلم يقدم الإخوان التضحيات من أنفسهم وأموالهم طوال عقود إلا من أجل حماية حقوق أبناء الشعب -أصلا- ضد التسلط والأثرة والاستبداد، بل وحمايتهم من أي انتقاص لحقوقهم، من أي أحد كان. تعني "الأخونة" -في حقيقتها- تطبيق المشروع الإصلاحي والتربوي للإخوان المسلمين، وتعني أيضا: التحلي بالأخلاق والمبادئ والقيم الرفيعة، وتعني كذلك: العمل لنهضة الوطن وتقدمه، وتعبئة عناصر الخير والصلاح في المجتمع، ووضع الشخص المناسب في المكان المناسب. وتعني "الأخونة" أيضا محاربة الفاسدين والظالمين، والدفع بالأكفاء والمصلحين إلى أماكن القيادة بمفاصل الدولة، فضلا عن العمل للشعب بالشعب للشعب .. دليل ذلك نجاح "الأخونة" في النقابات التي تقدم فيها الإخوان المسلمون، عبر صناديق الانتخابات، والإرادة الحرة للناخبين. لكن أعداء الإخوان يرفضون "الأخونة"، بالمعاني السابقة، لأنهم خائفون من نجاحها، وخائفون من اقتناع الشعب بها، وخائفون من انضمامه إليها، وخائفون من استمرارها ورسوخها؛ الأمر الذي يهدد مصالحهم الشخصية.. لذا فهم يريدون فرض تصوراتهم الاحتكارية، وميولهم الإقصائية، وهم الأقلية، على الشعب المصري، وهو الأغلبية، وكلمته الغالبة. نعم للإخوان أخطاء، فمن منا لا يخطئ ؟ ولماذا نصبر على خطايا غيرهم، ولا نصبر على أخطائهم؟ ولماذ تحاول عصابة المغرضين من الليبراليين والعلمانيين والفلوليين قطع الطريق على مشروع الإخوان، مع أن الإخوان لو أرادوا السيطرة والتكويش لوصلوا مع جمال عبدالناصر إلى مفاصل الحكم في الدولة بعد ثورة 1952، لكنهم رفضوا التعاون معه؛ لاختلافهم الشديد مع طباعه.. إذ استأثر بالحكم لنفسه، وقضى على الدولة المدنية، وجعلها عسكرية، وألغى التعددية السياسية، وجعل الكلمة للحزب الواحد، وهكذا أتى بشلته وندمائه للحكم، وصنع فرعونا جديدا، وأفقر الشعب، وأذل المواطن، وقزم الدولة، فكان لمصر التخلف والانكسار، داخليا وخارجيا، بنهاية عهده. ولو أراد الإخوان بعد رحيل عبد الناصر الوصول للحكم لتعاونوا مع خلفه السادات، وكانوا قبلوا بقرارته جميعها، لكنهم تصدوا لفساد نظامه، وعلوه، واستبداده . والأمر نفسه تكرر من الأخوان مع المخلوع مبارك.. إذ كان نظامه الفاجر يقوم بنفيهم وسجنهم وتشريدهم، وحتى محاربتهم حتى في أرزاقهم.. لأنهم كانوا شوكة في حلقه، وعقبة حالت دون تحقق أحلامه في البقاء دون معارضة، وتوريث الحكم لنجله جمال، وندمائه من الصهاينة المتنفذين. وباختصار: لو أراد الإخوان الوصول للسلطة في مصر لوصلوا إليها منذ زمن، دون تعذيب أو قهر أو "وجع دماغ". وفي المقابل، يرفض الحاقدون على الإخوان التعامل معهم، من أجل تشويه صورتهم، وعندها يجأرون بالصراخ والشكوى من أنهم تجاهلوهم، واستأثروا بالسلطة دونهم. فعلوا ذلك في انتخابات لجان مجلس الشعب المنحل، وفعلوه عند تشكيل الجميعة التأسيسية الأولى، وفعلوه عند تشكيل الحكومة، وفعلوه عند اختيار الرئيس فريقه الاستشاري، ولن يستحوا من فعله مستقبلا، زاعمين كذبا أن تلك هي "الأخونة"! لقد جاءت الثورة بهدف تمكين الشعب من تغليب إرادته الحرة، وكلمة أغلبيته على أقليته، غير أن ما يحدث حاليا من تغييب "الأخونة" -عمدا- ، ومحاربتها جهارا نهارا، هو تلاعب -فيما أرى- بإرادة الشعب، وتوجه في غير مصالحه. والأمر هكذا؛ آن الأوان كي يفرض الشعب إرادته.. أن: نعم ل "الإخونة".. لأنها اختياره الحر.. ونعم للإخوان في أي موقع؛ طالما أنهم جديرون به.. وبالتالي: عليهم أن يتقدموا، ويقدموا إلينا بضاعتهم وكوادرهم، بعيدا عن الشخصنة، واستنادا إلى معايير حاكمة، يتساوون فيها مع غيرهم من أبناء الشعب.. دون خوف من أدعياء الديمقراطية، بيينما الديمقراطية منهم براء. [email protected] المزيد من مقالات عبدالرحمن سعد