هل هو شكل من أشكال التوثيق لمرحلة مهمة في تاريخ مصر؟ أم هو تعدي علي الحريات العامة؟ فهناك جدل صارخ شهدته الساحة المصرية في الأيام القليلة الماضية حول الفن الجرافيتي. فالبعض يري انه وسيلة من وسائل التشويه للممتلكات العامة ويصفونه بالفن التخريبي, في حين البعض الأخر يري انه فن ايجابي ساحته جدران الوطن يمارس بتعبيرات حرة دون أي قيود شريطة ألا يكون مقترن بعبارات مسيئة أو رسوم خارجة. في البداية يعرب الفنان والناقد صبحي الشاروني عن قلقه تجاه بعض المواقف الحالية والتي باتت واضحة ضد فن الرسم والنحت مما يمثل خطرا كبيرا علي الفنون برمتها. وعلي النقيض يقول محمد ابراهيم( أحد معارضي هذا الفن): أن من يأتي بعبارات مسيئة ورسومات مخجلة ليس بفن وإنما هو نوع من أنواع التلوث البصري وهذا ما تجرمه معظم الدول وتفرض علي مرتكبيه العقوبات والغرامات المالية, فهو فن ممنوع ليس له حدود ولا قيود ويتحدي كل محظور. ويشير الدكتور صلاح المليجي رئيس قطاع الفنون التشكيلية إلي أن القطاع يعتزم حاليا بتكليف من الدكتور محمد صابر عرب وزير الثقافة إصدار مجموعة من الاسطوانات المدمجة والكتب لتوثيق الرسومات الجرافيتية بميدان التحرير والشوارع المحيطة, وذلك عقب موجة موسعة من الانتقادات والتي حثت علي أن الفن تعبير حر يجب ألا يمحي, جاء ذلك جراء الموقف الخاطئ لعمال البلدية من إزالة الرسوم الجرافيتية بسور الجامعة الأمريكية بشارع عيون الحرية( محمد محمود سابقا) في أطار حملة تنظيف ميدان التحرير. ويضيف المليجي أن أفضل ما قدم خلال ثورة25 يناير هي الإعمال الجرافيتية لما حملته من تعبير وإحساس ومضمون يحمل معارضه قوية نفذت من خلال فنانين أكاديميين وغير أكاديميين, وقد أبدت العديد من دول العالم إعجابها بتلك الرسوم وأضاف أن دولة المكسيك هي أول من أبدع ذلك الفن ثم انتقل إلي أمريكا اللاتينية ثم أمريكا الشمالية ثم أوربا. وبالفعل معظم الدول الأجنبية تجرم ذلك الفن في الوقت الذي تسعي فيه لتخصيص أماكن محددة يتمكن فيها الفنانون من ممارسته كما تقوم بعمل مسابقات له. وان قطاع الفنون التشكيلية بدأ منذ عام2007 الاهتمام بالفن الجرافيتي والذي يقام له مهرجان سنوي بمتحف محمود مختار. والفن الجرافيتي هو فن الرسم علي الجدران وهو فن يمارس منذ قديم الأزل عندما كان الإنسان البدائي يستخدم عظام الحيوانات في الرسم علي جدران الكهوف تلاه عصر الدولة القديمة حيث اعتبره المصريين القدماء عنصرا هاما لتسجيل صورهم الحياتية ومعتقداتهم الدينية والثقافية فأجادوا التعبير عنها من خلال النقش البارز أو الرسم علي جدران المقابر والعابد. من هذا المنطلق يعتقد البعض بأنه فن يمارس منذ أقدم العصور( الفرعوني, الأغريقي, الروماني) في حين يعتقد البعض الأخر انه بدأ في مصر إبان حرب.1967 ويقول الفنان صبحي الشاروني إن هذا الفن كان مصاحب لموسم سفر الحجاج وكان يمارس بالأخص في القري فيرسم علي جدران ووجهات مباني الحجاج ليجمع مراحل الحج في لوحة واحدة بطريقة سريالية. كما كان موجود علي شكل كتابات أيام الملك فاروق وكانت تقوم به الحركات السياسية السرية المعارضة للحكم, ولكنني لا استطيع تسميته بالجرافيتي حيث انه كان مجرد شعارات بديلة للصحف والتي كانت ممنوعة لتلك الحركات آنذاك. وكلمة جرافيتي أصلها ايطالي اجرافيتوب وهي تعني فن رسم الأحرف أو الصور علي الحوائط والجدران من أجل إيصال رسائل سياسية أو اجتماعية. وهو فن احتجاجي من الدرجة الأولي وكان قديما يعرف بفن الطبقات الفقيرة المعدمة حتي أصبح أكثر انتشارا وامتد إلي الطبقات الوسطي والراقية. فقد بات هذا الفن يستهوي كل الطبقات حيث يخرج كل فنان ما بداخله من أفكار ليحول الجدار إلي مساحة حرة للتعبير. وقد تطور هذا الفن عبر الزمان وانتشرت تقنياته وأساليبه في جميع أنحاء العالم.