قبل أقل من شهرين, من مؤتمر انعقاد القمة الثانية للاتحاد, المقررة في برشلونة في7 يونيو المقبل, لاتزال الشكوك الكبيرة تحيط بالمشروع. والتساؤلات المتلاحقة, تدور حول القمة, خاصة في ضوء فشل مؤتمر المياه الذي استضافته برشلونة مؤخرا للتوصل إلي اتفاق حول استراتيجية متوسطية للتعامل مع المياه. فقد حدث خلاف بين الجانبين العربي والإسرائيلي؟!, حيث رفضت إسرائيل الإشارة الي الأراضي المحتلة في نص الاستراتيجية, ورفض العرب النص البديل الذي اقترحه الأوروبيون الأراضي الواقعة تحت الاحتلال. ليس هذا فقط, بل ان مسئول الملف في الرئاسة الفرنسية, هنري جينو, ترك الباب مفتوحا أمام الشكوك والتساؤلات, حيث صرح بأنه لا يعرف ما اذا كانت القمة ستنعقد أم لا, وماذا سيكون عليه الأمر بالنسبة لمشاركة الرؤساء ولا هل يقبلون الجلوس مع الإسرائيلي أم لا, مشيرا الي حقيقة أن البحر المتوسط هو تلاطم أمواج عاتية, تتجاوز الحدود. الرئيس ساركوزي نفسه, اعترف أخيرا بأن الاتحاد يصطدم بصعوبات, وأشار بصفة خاصة الي التصرفات الإسرائيلية, وقضية الاستيطان, التي تتحدي فيها إسرائيل المجتمع الدولي كله. ولكن ماذا عن وضع الاتحاد الآن بعد عامين من اطلاقه في13 يوليو2008 ؟! المسئولون عن الملف, يتحدثون عن تقدم علي الصعيد الفني, ويعترفون في نفس الوقت بصعوبات وعراقيل تكاد تنسف المشروع برمته, كارولين كورني مساعدة هنري جينو تتحدث عن محصلة إيجابية للفترة الماضية, والدليل علي ذلك مشروعات محددة تتبلور, وتمويل تتضح معالمه لبعض المشروعات, وبناء مؤسسي يتشكل بسكرتارية مقرها برشلونة. في مقدمة المشروعات, مشروع الطاقة الشمسية, الذي تصل تكاليفه الي50 مليار يورو, ويغطي عند استكماله نظريا في2020 ما يصل الي20% من احتياجات الطاقة, وقد تم حتي الآن تجميع5 مليارات يورو. وهناك مشروعات إزالة تلوث البحر المتوسط,73 مشروعا تصل قيمتها الي5,2 مليار يورو, وقد تم بالفعل ايجاد التمويل ل45 مشروعا من هذه المشروعات بتكلفة3,4 مليار يورو, وهناك مشروعات حيوية خاصة بالمياه والنقل والحماية المدنية وصندوق حماية البيئة, والتعليم العالي والبحث العلمي, وبنك خاص بالاتحاد.. وغيرها. أما عن الجانب السياسي للمشروع, فالكل يعترف بالفشل وأيضا بالمخاوف. كارولين كورني, تعترف باللوم الذي طالما يوجه الي الاتحاد بمحاولة تجاوز الصراع الإسرائيلي الفلسطيني, والالتفاف حوله, وتقول إن هذا الصراع لم يغب عن الأنظار والأذهان, ثم تضيف إننا كنا نأمل في إيجاد قوة دفع ديناميكية, انطلاقا من مشروعات محددة, تساعد علي نسج تضامنات بين الشعوب, تستهدف في النهاية الوصول الي السلام؟! هذا هو منطق مجموعة هنري جينو, منطق ربما يجد شيئا من القبول لدي البعض من رجال الأعمال, ولكن ماذا عن المسئولين, هل يمكن أن يجتمع القادة العرب مع نيتانياهو, الذي يعلن بشكل مستمر عن المزيد من عمليات الاستيطان والتهويد, في القدس وفي الضفة الغربية, وهل يمكن أن يجتمع وزراء خارجيتهم مع المتطرف ليبرمان, وهم الذين رفضوا حتي الآن, عقد اجتماع لوزراء خارجية دول الاتحاد, لنفس هذا السبب. هنري جينو نفسه يعترف بأنه لم يحصل من قبل أن وصل الوضع الي هذه الدرجة من الانسداد, وحوار الطرشان.. لقد مررنا بعام صعب للغاية, وما أمامنا أكثر صعوبة! الكل شمالا وجنوبا, يكاد يجمع علي أن الاتحاد من أجل المتوسط هو ضرورة حيوية ومصيرية لصالح شعوب المنطقة, والأجيال المقبلة, من أجل الأمن والاستقرار من ناحية, والرخاء والتنمية من ناحية أخري. إرفيه موران وزير دفاع فرنسا, يؤكد المصالح المشتركة العديدة لدول المتوسط, شمالا وجنوبا, فنحن نواجه نفس التحديات سواء للتنمية, والهجرة وحوار الحضارات, والحصول علي الماء والطاقة, وبالبيئة, ومكافحة التغير المناخي, أو بالاستقرار والأمن, كما يؤكد ضرورة أن تزيد أوروبا من التزامها وانخراطها في هذه العملية الي جانب الولاياتالمتحدة, فما قام به الأوروبيون حتي الآن غير كاف, وعليهم أن يكونوا فاعلين أساسيين في عملية السلام, خاصة أنه وفقا للاستراتيجية الأوروبية للأمن, فإن تسوية الصراع الإسرائيلي العربي تمثل أكثر من أي وقت مضي, أولوية استراتيجية لأوروبا؟! ميجيل انجيل موراتينوس وزير خارجية اسبانيا, يؤكد ضرورة التحرك لإيجاد مخرج, فالمجتمع الدولي لا يستطع الانتظار أكثر من ذلك, ويقول إنه يتحدث مع فرنسا ومع مصر لإعداد شيء يتم اطلاقه في برشلونة, في القمة, التي يبدي تفاؤله من انعقادها, حيث ان الكثيرين أظهروا اهتماما بالمشاركة.. موراتينوس يتساءل باستغراب.. عما اذا كان المجتمع الدولي بأسره غير قادر علي حل مشكلة واحدة, مشكلة الصراع في الشرق الأوسط القائمة منذ60 عاما, حروب ومواجهات مع أن الحل معروف, حل الدولتين, والمعايير معروفة. ما الوضع إذن, هل يكون الاتحاد ولو مرحليا, بغير إسرائيل, هنري جينو يرفض هذه الفكرة, لان المشروع في الأذهان يضم كل المتوسطيين. الرهان إذن كبير والتحدي خطير, ولابد من تحرك أوروبي حاد وحاسم, خاصة مع وجود إدارة أمريكية مخلصة في اصرارها علي حل هذا الصراع. وفي نفس الوقت, تحرك جنوبي عربي, يقوم علي معرفة كيفية الاستفادة من هذا الرهان الكبير وما يتيحه من فرص وامكانات دون الوقوع في شرك التطبيع التلقائي المجاني.