الاتحاد الوليد لا يكاد يخرج من أزمة حتي يصطدم بأخري.. وها هي آخرها.. أو بالأحري أخرتها أزمة ليبرمان.. شمشون الجديد الذي يريد أن يهدم المعبد علي من فيه.. والسؤال الذي يطرحه الكثير من المراقبين والمتابعين لهذا المشروع: هل تتسبب الأزمات والعقبات في كتابة شهادة وفاة الاتحاد حتي قبل أن تثبت شهادة ميلاده.. وتكتمل وتترسخ؟ لعلنا نذكر أن قمة13 يوليو2008 التي استضافتها باريس برئاسة فرنسية مصرية مشتركة, قد تأخرت وتأخر معها انعقاد المؤتمر الصحفي المشترك للرئيسين مبارك وساركوزي, بسبب تأخر البيان الصادر عن القمة, والسبب قضية وضع جامعة الدول العربية من ناحية, والصياغة الخاصة بمرجعيات السلام الإسرائيلي الفلسطيني والعربي من ناحية أخري, وتم تعديل الصياغة في اللحظة الأخيرة, وحتي بعد أن تم توزيع البيان أو مشروع البيان, تم التسوية الحقيقية لوضع جامعة الدول العربية, وأيضا للصياغة وللمرجعيات, في مؤتمر وزراء خارجية دول الاتحاد, في مرسيليا في4 نوفمبر2008. وتصورنا بعد ذلك أن الطريق بات ممهدا أمام الاتحاد من أجل المتوسط, هذا المشروع الذي يحظي بالأولوية لدي نيكولا ساركوزي حتي من قبل أن يصل إلي الرئاسة, وساندته مصر ودعمته, وساعدت علي انعقاد قمة باريس.. ونجاحها.. وإن مع التحفظات. لكن ما كاد التفاؤل يسود بعد نجاح وزراء خارجية الاتحاد من أجل المتوسط في اجتماع مرسيليا, وبفضل التحرك النشيط من جانب الرئاستين الفرنسية والمصرية, والوزيرين برنار كوشنير, وأحمد أبو الغيط, والحلول الوسط التي صاغاها حتي اصطدم الاتحاد, وعملية السلام, بل والسلام ذاته, بأحداث غزة, والحرب الإسرائيلية المدمرة عليها, في ديسمبر2008, حرب أوقفت عملية السلام وأوقفت معها الاتحاد من أجل المتوسط, وجمدته تماما لعدة أشهر إلي أن بادرت الرئاستان الفرنسية والمصرية مرة أخري بالتحرك من أجل بلورة الأفكار والمشروعات.. المطلوبة وبشدة لحيز المتوسط.. جنوبا وشمالا.. وبدأنا نشهد بعد يونيو2009 نوعا من الحركة علي الصعيد التقني والمشروعاتي, وإن ظلت حركة بطيئة. غير أن الاتحاد ما لبث أن اصطدم بعقبة أخري, عقبة وصول ليبرمان إلي مقعد وزير خارجية إسرائيل, بما عرف عنه من تطرف, ومن تصريحات لا تمت بصلة إلي أي دبلوماسية, أو أي لياقة, وإنما تخبط وتخبيط وتحد لأي شيء وكل شيء, لأنه وحزبه إسرائيل بيتنا يعيشون علي ذلك ويكسبون به الأصوات, ليكون لهم مكان ومكانة في الداخل. وصول ليبرمان عطل الجانب السياسي للمشروع المتوسطي, حيث رفض وزراء الخارجية العرب, أو علي الأقل عدد منهم, من بينهم وزير الخارجية المصرية الاجتماع بليبرمان, أو بالأحري الجلوس علي مائدة واحدة معه, مما تقرر معه تأجيل اجتماع وزراء خارجية دول الاتحاد الذي كان من المقرر عقده في نوفمبر الماضي في اسطنبول إلي أجل غير مسمي. ثم جاءت قضية المستوطنات في سلسلة الاستفزازات والتحديات الإسرائيلية للشرعية الدولية وجميع قراراتها ومرجعياتها, فأوقفت تماما أي تفكير في مفاوضات سلام, وولدت لدي المراقبين الشكوك والتساؤلات حول إمكان انعقاد القمة المتوسطية الثانية, المقررة في برشلونة في7 يونيو المقبل, ومدي إمكان أن يجلس الرئيس الفلسطيني محمود عباس مع رئيس الوزراء الإسرائيلي نيتانياهو علي المائدة نفسها, مع مواصلة المستوطنات والاستفزازات والملاحقات للفلسطينيين, وفي هذه الحالة هل يجلس الزعماء العرب بدون عباس؟! خاصة مع تراجع عملية السلام, وتضاؤل فرصها, أو تلاشيها؟! ومن هنا كانت التوقعات بتأجيل القمة أو حتي إلغائها. وتدخل الرئيس الأمريكي أوباما وأبدي إرادة واضحة ورغبة واضحة مخلصة في كسر الجمود, وتحريك الأمور, وصولا إلي السلام الموعود!! وبدأت المحادثات عن بعد بين الفلسطينيين والإسرائيليين أو ما يسميه البعض المفاوضات غير المباشرة؟! وبدأت معها الآمال لدي البعض بانفراج الموقف, وانعقاد القمة المتوسطية؟! لكن سرعان ما ظهرت أزمة ليبرمان.. أزمة قديمة جديدة, وأفادت التقارير بأن الوزراء العرب, أو بعضا منهم, وفي المقدمة المصري والسوري يرفضون مرة أخري الجلوس علي مائدة واحدة مع ليبرمان, وخرج ليبرمان يصرح بأنه ليس في نيته الغياب عن برشلونة: إنني أعتزم أن أكون هناك, وسأكون هناك, لأنه ليس لأحد أن يقرر تشكيل الوفد الإسرائيلي!!, ويمضي ليقول: إننا لا نقاطع أحدا, أما عن أولئك الذين لا يجيئون( إلي برشلونة) فهذه مشكلتهم!!, ومقاطعة سوريا ومصر تمثل صفعة لإسبانيا. بعض التقارير أفادت بأن هناك تهديدات من مصر وسوريا بمقاطعة القمة, إذا شارك ليبرمان, وهي تقارير لم يؤكدها أحد.. لا في مصر ولا في سوريا؟! ولكن التقارير تفيد بأن إسبانيا لديها مخاوف من أن الصراع الإسرائيلي الفلسطيني يمكن أن ينسف قمة برشلونة, ومن ثم كثفت مدريد من تحركاتها واتصالاتها. مشكلة ليبرمان ليست مشكلة مصرية أو عربية فقط, ألم يرفض الرئيس ساركوزي استقباله عندما زار باريس, بل إن ساركوزي, وفق التقارير, قد أشار علي نيتانياهو بأن يغير وزير خارجيته وأن يأتي بدلا منه بتسيبي ليفني, البعض إذن في الغرب, وربما كثيرون, يتفهمون الموقف المصري والعربي من ليبرمان, الذي يقوض فرص السلام في المنطقة. المصادر الفرنسية تعرب عن ثقتها في أن كل شيء سيسير سيرا حسنا, أو علي الأقل هذا هو المأمول, وإن كان الجميع في النهاية ينتظرون تقدير الأسبان للموقف, ونتائج جولة موراتينوس في المنطقة, فإسبانيا هي التي تستضيف القمة علي أرضها, وهي راغبة وتواقة ومهتمة بشدة بانعقادها, وفرنسا صاحبة المشروع تريد إنجاحه وبشدة, وتنتظر عقد القمة في موعدها, المتحدث باسم الخارجية برنارد فاليرو يقول: إننا ندعو كل الدول الأعضاء للعمل علي إنجاح الاتحاد من أجل المتوسط.. ونري تغليب منطق التضامن والتعاون حول مشروعات محددة, فالأمر يتعلق بمسألة الحصول علي المياه وتوفيرها, والتعاون في قضايا مثل وضع المرأة في بلدان البحر المتوسط, وتنقل الشباب, والتعاون الجامعي وغير ذلك. فرنسا إذن متمسكة وبشدة بالاتحاد من أجل المتوسط, وبإنجاحه, وبقمة برشلونة المقبلة وبانجاحها, منتدي السلطات المحلية والإقليمية للمتوسط, الذي اجتمع قبل أسبوعين تبني بيانا يدعو المفوضة الأوروبية والبرلمان الأوروبي والمجلس الأوروبي إلي تعزيز المشاركة الأورومتوسطية ويعرب عن الأمل في أن تعطي قمة برشلونة المقبلة الدفعة اللازمة لتحقيق تقدم الاتحاد بشكل حاسم نحو تلاحم اجتماعي وأرضي أكبر بين ضفاف المتوسط, ووفقا للسلطات المحلية والإقليمية المحيطة بالمتوسط فإن مشروعات الاتحاد التي تحظي بالأولوية من إزالة التلوث إلي الطرق السريعة البحرية والبرية, مرورا بالحماية المدنية, والطاقة البديلة, والتعليم العالي, والبحث العلمي, وتنمية المشروعات الصغيرة والمتوسطة, كلها تعطي إمكانات عديدة وكبيرة لمشاركة السلطات المحلية والإقليمية, وفي الوقت نفسه فإن انخراط هذه السلطات في العملية يوفر ضمانات لتحقيق النتائج المرجوة. وفي الوقت نفسه لجنة الشئون الخارجية بالبرلمان الأوروبي خرجت بتقرير يؤكد أن الاتحاد من أجل المتوسط يجب أن يمثل أولوية لأوروبا, وفي ظل الظروف الصعبة والتوترات المتصاعدة في الشرق الأوسط فإن اللجنة تناشد الرؤساء الاضطلاع بمسئوليتهم التاريخية, والعمل علي إنجاح قمة برشلونة, فالمتوسط بحاجة إلي أوروبا, وأوروبا بحاجة إلي المتوسط, ومن ثم يتعين علي دول الاتحاد المتوسطي والاتحاد الأوروبي أن ينشئوا صندوقا يكون علي مستوي التحديات, والمشروعات العملاقة, التي تحظي بالأولوية. أوروبا إذن مصممة, وماضية في طريقها, ولن تسمح, ولن تعطي الفرصة لليبرمان أو غيره بأن يهدم المعبد علي من فيه. وعلي الجانب الآخر فإن القرار ليس مصريا فقط, وكما هو ليس سوريا فقط, وإنما أتصور أنه قرار عربي بالتشاور والتنسيق, والمقاطعة المعلنة حتي الآن ليست مقاطعة لإسرائيل, وفق تحليل بعض المراقبين, وإنما هي مقاطعة لليبرمان, ومن ثم قد يكون الحل, وفق بعض المصادر في تجاوز اجتماع وزراء الخارجية لدول المتوسط, الذي يسبق القمة ويعد لها, تجاوزه والالتفاف حوله, ليحل محله اجتماع لكبار الموظفين, مديري وزارات الخارجية, الذين يقومون بالإعداد للقمة بدلا من الوزراء. وهم بذلك يفوتون الفرصة علي ليبرمان, ويصونون المشروع ويتجاوزون الأزمة, والكرة الآن في ملعب الإسبان ليقرروا الترتيبات الخاصة بالقمة, التي لم تعلن بعد, ثم في الملعب العربي للتشاور والتنسيق واتخاذ الموقف المناسب للمصلحة, وإن كان الأمر والتحرك يعتمد أيضا علي ما تخبئه الأيام فيما يتعلق بالحوار الجاري, أو المباحثات الجارية عن بعد بين الفلسطينيين والإسرائيليين, ومدي تمسك الرئيس أوباما, وأيضا أوروبا, التي أعلنت أكثر من مرة أن الشرق الأوسط سيكون في جوهر قمة برشلونة, وذلك علي الأقل من خلال موراتينوس, ومدي التمسك بتحقيق تقدم في هذا المسار. خاصة أن الكل يعرف أنه طالما ظل الصراع الإسرائيلي الفلسطيني, وبشكل أشمل طالما ظل الصراع الإسرائيلي العربي قائما, فإن الاتحاد لن ينطلق بكامل سرعته, علي الأقل علي الصعيدين السياسي والأمني, والأزمة الحالية ليست هي الأولي, ولن تكون الأخيرة, فمثل هذا المشروع الكبير لابد أن يصطدم بأزمات, ولابد أن نعرف كيف نتجاوزها, ونقبل بالحلول الوسط, تحقيقا للمصلحة المستقبلية.