موجة الاحتجاجات العنيفة التي اندلعت في العالم العربي والإسلامي مؤخرا كرد فعل علي الفيلم المسيء للرسول- صلي الله عليه وسلم- أعطت انطباعا بأن الشعور الغالب لدي الشعوب العربية هو كراهية دفينة تجاه الغرب وعلي رأسه الولاياتالمتحدة. والسؤال هو هل كانت أنظمة السادات ومبارك والأنظمة الأخري المتحالفة مع الغرب تكبت مشاعر الضغينة والنفور من أمريكا وتقمعها في نفوس المواطنين ثم عادت تلك المشاعر للظهور بعد زوال هذه الأنظمة أو ضعفها في دول إسلامية مثل باكستان؟ هل نكره سياسة الغرب غير العادلة تجاه العالم العربي والمنحازة دائما لإسرائيل أم أننا نرفضه ونلفظه برمته أي بقيمه ومبادئه وثقافته وأسلوب الحياة التي فرضها علي شعوب العالم أجمع والتي يري البعض أنها تتناقض مع ديننا وقيمنا ومثلنا العليا؟ هل رفضنا له رفض مبدئي ثابت لا يتغير حتي لو افترضنا جدلا أنه اتخذ سياسة أكثر عدلا وموضوعية؟ والإجابة علي هذه الأسئلة ليست سهلة كما قد يبدو للوهلة الأولي بعد أن شاهدنا مظاهر البغض الشديد وعلامات الغضب الهادر المرتسمة علي وجوه المتظاهرين أمام السفارات الأمريكية والفرنسية في القاهرة وغيرها. وتاريخ العلاقات بين الإسلام والغرب حافل بالحروب الدامية لعل أشهرها الحروب الصليبية التي تركت جروحا عميقة في اللاوعي الجماعي للجانبين. ثم جاءت مرحلة الاستعمار فأججت الشعور بالكراهية لهؤلاء الأجانب الذين قدموا بجيوشهم لاحتلال شعوب لم تعتد عليهم. وأخيرا ظهرت مشكلة إسرائيل التي يساندها الغربلكن هناك جانب آخر من الصورة يناقض هذه الرؤية. فإن الغرب كان محل إعجاب وتقدير بل وانبهار من جانب أبرز العقول المستنيرة التي أضاءت طريق التقدم في العالم العربي منذ بداية عصر النهضة بل حتي منذ عصر ابن رشد الذي اتهمه الكثيرون بأنه كان أسير الفكر الغربي وفلسفة أرسطو علي وجه التحديد. فرائد النهضة الأول رفاعة رافع الطهطاوي لم يبدأ في مشروع التحديث الذي وضع أسسه في كتاب تخليص الإبريز في تلخيص باريز إلا بعد أن عاش خمسة أعوام في فرنسا وظل طوال حياته ينادي بنقل أساليب الحياة فيها ومحاكاتها بما لا يتناقض مع ديننا, لكن أوجه التناقض في نظره كانت واهية للغاية حتي أنه نادرا ما وجه نقدا للمجتمع الفرنسي وكان أكثر نقده عن علاقة الرجل بالمر أة هناك. وكان كل رواد النهضة والتقدم من بعده متأثرين تأثيرا واضحا بالغرب ويعترفون بذلك في كتاباتهم من علي مبارك إلي قاسم أمين وطه حسين وغيرهم كثيرون. بل أكثر من ذلك أن أقطاب الوطنية الذين كانوا يناضلون ضد الاستعمار البريطاني كانوا من أشد المناصرين لأوروبا وتحديدا لفرنسا ويعربون عن إعجابهم بالقيم والمباديء التي تقوم عليها الحضارة الأوروبية وفي مقدمتهم مصطفي كامل ومحمد فريد وسعد زغلول. وأكثر من هذا أن كل النظام السياسي والقانوني المصري قائم علي ما أستحدثه الغرب. فإذا كان الذين شكلوا حياتنا في المائة عام الماضية كانوا جميعا من المعجبين بالغرب وإذا كان كل ما نستخدمه في حياتنا اليومية من موبايل وتليفزيون وكمبيوتر وسيارة نستورده من الغرب فهل يمكن أن نؤكد بقناعة تمامة أننا نكره الغرب ونرفضه ولا نرغب في التعامل معه؟ لكن المواجهة السياسية مع الغرب اتخذت أشكالا مختلفة في العصر الحديث حيث كانت تقوم علي أساس القومية العربية في عصر جمال عبد الناصر. أما الآن ومع بروز الدين وإقحامه في مجال السياسة فقد اتخذت المواجهة مع الغرب في أذهان الكثيرين بعدا دينيا وهي أخطر أنواع المواجهات لأنها تعيدنا إلي حقبة الحروب الصليبية وهو عصر تعداه الزمن. المزيد من مقالات شريف الشوباشي