عكست التطورات الأخيرة في اليمن وضعية خاصة لهذا البلد في سياق منظومة الأمن الخليجي وفي مقدمتها سخاء دول الخليج في تعهداتها المالية لدعم الحكومة الإنتقالية اليمنية في مؤتمر المانحين بالرياض الذي عقد مؤخرا, وتبنيها قبل ذلك مبادرة سياسية مهمة ساهمت في وقف نزيف الدم والمواجهات المسلحة وحالة الفوضي إثر وصول موجة الربيع العربي إلي صنعاء. وتتباين عناصر التهديد لأمن الخليج والجزيرة العربية وفقا لرؤي اليمنيين, فبينما تعتبر الحكومة اليمنية علي لسان رئيسها محمد سالم باسندوة أن خطر إرهاب القاعدة والقرصنة البحرية في القرن الأفريقي هي أهم عوامل التوتر والقلق فيالمنطقة, مشيرا إلي أن استقرار اليمن يهم المنطقة والعالم انطلاقا من موقعه الجغرافي المتميز علي طرق التجارة العالمية. ويري الدكتور عبدالله الفقيه أستاذ العلوم السياسية بجامعة صنعاء أن نمو القوة الإيرانية وسعي ايران الحثيث للسيطرة والتحكم يعد أبرز تهديد لدول الخليج والجزيرة العربيةحيث من الواضح أن ايران تعمل علي استغلال المشاكل الداخلية في هذه الدولة أو تلك وتلعب علي الورقة الطائفية في سبيل خلق مناطق نفوذ وأوراق ضغط, لافتا إلي أن التهديدالإيراني والذي يتجاوز في نطاقه الجغرافي الخليج والجزيرة ويتجلي ذلك فيما يحدث في سوريا. ويلفت الفقيه الي أنه اذا كان صعود إيران كقوة قد ارتبط بخروج مصر من الصف العربي وبالتغييرات في موازين القوة داخل العراق ما بعد صدام حسين, فإن هناك فرصة تاريخية سانحة اليوم لاستعادة التوازن المفقود بين إيران من جهة والعالم العربي من جهة ثانية وذلك بالعمل علي دعم جهود مصر لاستعادة دورها كقوة عربية مؤثرة مشددا علي أن مصر لن تستعيد دورها الإقليمي المهم سواء في مواجهة ايران أو في دعم الشعب الفلسطيني أو في القضايا العربية الأخري الا بحدوث تكامل بين الإمكانات المادية لدول الخليج والمخزون البشري والخبرات والقدرات المصرية مع اعطاء أولوية للجانب الاقتصادي الذي يشكل المدخل لتحقيق الطموحات العربية في الأمن والاستقرار. من جانبه يري الدكتور محمد الظاهري الأستاذ بجامعة صنعاء والناشط في الثورة الشبابية أن هناك محددات عديدة حول مهددات أمن الخليج والجزيرة العربية منها غياب الرؤية الإستراتيجية, والتخطيط المشترك لهذه الدول, ضاربا المثل بسعي اليمن إلي الانضمام لعضوية مجلس التعاون الخليجي, ومعارضة بعض دوله لعضوية اليمن الكاملة, حيث تم الاكتفاء بقبولها في بعض هيئاتها غير المهمة. ويعتقد الظاهري أن استمرار انكشاف أمن دول الخليج كلها باتجاه الخارج يعد من مخاطر الأمن الإقليمي, فما انفكت أنظمة هذه الدول تطمئن للأجانب والغرباء, وتشك بالإخوة والأشقاء!, معتبرا أن قيام كل دولة من هذه الدول بعقد اتفاقيات حماية ثنائية مع الولاياتالمتحدة الأمريكية تحديدا, ووجود قواعد عسكرية أمريكية دليل علي هذا الاستنتاج علي حد قوله مؤكدا أن تنظيم القاعدة شكل خطرا مزدوجا علي هذه الدول, فهو لايعترف ابتداء بشرعية هذه الدول ككيانات وحدود سياسية, إضافة إلي أنه قد أوجد مبررا للدول الأجنبية للتدخل في شئون هذه الدول والسعي لنهب ثرواتها. ويعتبر الظاهري أن إيران تمثل الخطر القريب وفقا لوعي الحكام, لكن هناك الخطر الأكبر القريب البعيد ممثلابالعدو الصهيوني, لكنه في الوقت نفسه لا يبرئ إيران من عجزها عن تبديد مخاوف جيرانها, وسعيها لتسييس العامل المذهبي, وإصرارها علي استمرار احتلال بعض الجزرالعربية الإماراتية وتحويلها الرابطة الإسلامية إلي شعار أكثر منه واقعا وممارسة. وينصح الظاهري بوجود سياسة واضحة لدي دول الخليج حول قضية العمالة الوافدة, وقضية التجنيس, وإن كان لابد من التجنيس فلتجنس الجاليات العربية المقيمة لديها. وكذلك حل مشكلة البدون لدي بعض هذه الدول, مشددا علي استحضار هذه الدول لهويتها العربية وكذاالإسلامية وتسييج نفسها بها, فهي بمثابة طوق نجاة, في ظل عالم لا يحترم إلاالأقوياء. أماالدكتور جلال إبراهيم فقيرة الوزير السابق والأكاديمي بجامعة صنعاء فيتساءل بدوره: هل تشكل اليمن مصدرا من مصادر تهديد الأمن في الخليج العربي؟ أم علي النقيض من ذلك تشكل عنصرا من عناصر الأمن والاستقرار لدول مجلس التعاون الخليجي ؟ ويخلص فقيرة إلي أن البنية الأمنية الجماعية الخليجية تخلو من المكون اليمني, وهو أمر يتنافي مع حقيقة الارتباط العضوي بين أمن اليمن وبين أمن الخليج وشبه الجزيرةالعربية, فالتهديدات الامنية تطال الجميع اليمن ودول مجلس التعاون. وهذه الحقيقة تستدعي إعادة التفكير في البنية الامنية الخليجية المفترضة, وعلي نحو يجعل من اليمن عنصرا رئيسا في الترتيبات الخليجية الجماعية, وليس فقط مجرد قضية من قضاياالأمن في الخليج.