المكاشفة هي الحل الناجع للمشكلات التي لا يخلو منها بيت.. أما طمسها او محاولة التغطية عليها,فإنها تجعلها كالنار تحت الرماد من الممكن ان تشتعل في أي لحظة. أنا فتاة في منتصف العشرينيات, تربيت وسط أسرة محافظة, علمتني مكارم الأخلاق, والالتزام الديني, وعرفت أبي رجلا عاقلا يعالج كل شيء بهدوء وحكمة, وهو راض دائما لا يعرف التزمر ولا التبرم بالرغم من أنه مصاب بالكثير من الابتلاءات, وأمي كل حياتي, وتتحمل أعباءنا وهي صامدة كالجبال, ومضت حياتي في ظل رعايتهما لي, وحرصهما علي. ومنذ عام تقدم لي شاب يكبرني بأعوام قليلة, ولمست فيه الخلق الطيب وتوسمت فيه الصفات التي تمنيتها في شريك حياتي, فاستخرت الله, ووافقت عليه, ثم زاد اقتناعي به بعد أن عرفت أن لديه نصيبا من الأسي, فهو يتيم الأب منذ صغره, وأن والدته أفنت شبابها في تربيته هو وأخوته. وتمت الخطبة بعد أقل من عشرة أيام علي أول تعارف بيننا, وسافر بعدها للعمل في شركة بالخارج, وكان قد التحق بها قبل سنوات, وتواصلت معه عبر الانترنت, وأحسست من كلامه معي أنه يحبني فازددت تعلقا به, وخشيت من أن يأتي يوم تقع فيه مشكلات بيننا فافقد السعادة التي أشعر بها, وبالفعل حدث ما توقعته, حيث افتعلت والدته أزمات تعددت أشكالها وألوانها.. مرة بسبب اختلاف وجهات النظر حول الاتفاق بينهم وبين والدي بخصوص تجهيزات الزواج, وأخري بسبب عدم راحتها لأمي, ومرة ثالثة بسبب عدم قدرتها علي ادارة حوار حول أي أمر من الأمور, وفجأت هبط علينا سيل من المشكلات, ورحت أنا وهو نحاول ترقيع ما تخلفه لنا الأيام من ثقوب في ثوب علاقتنا, لكن والدته ظلت علي عنادها وآثرت الابتعاد.. وكان علي أن أتودد اليها وكلي عجب من زمان تتودد فيه العروس إلي أهل العريس, ولم أجد أي حرج في أن أتغاضي عن معاملتها الغليظة والفجة لي من أجل خطيبي الذي كان دافعا لي للصمود والأمل في أن تتغير الأحوال نحو الأفضل.. وزاد من صبري أنه وإخوته وباستثناء والدته اثنوا علينا وعلي أخلاقنا وقدروا لنا محاولاتنا اصلاح الأمور معها, فهي لاتريدنا بأي شكل, ونسيت أن للبيوت حرمة, وأنها حين جاءتنا لطلب تزويجي لابنها لم تكن راضية, وإن حاولت أن تظهر عكس ذلك, ولم تبال بسخط الله عز وجل لمن يرتكب هذا الخطأ في حق الآخرين, ووجدتني أردد مع الشاعر قوله: إذا أكرمت الكريم ملكته وإذا أكرمت اللئيم تمردا
ومرت شهور علي هذا الوضع.. فاذا اتصلت بها ترد علي ردودا فاترة, واذا انتظرت أن تكون هي البادئة بالاتصال ولو حتي بوالدتي لا تفعل ذلك أبدا, بل إنها لم تهنئنا في أي مناسبة وآخرها عيد الفطر المبارك, فوجدتني اتصل بها وأقول لها كل سنة وانت طيبة, فبادلتني التهنئة بكلمة مقتضبة كأنها لاتود أن تنطق بها. وزادت الخلافات المفتعلة من جانبها وأراد والدي أن يضع حدا لها فاتصل بخطيبي, ودار بينهما حوار طويل انتهي باتفاقهما علي تهدئة الأمور الي حين عودته من الخارج, لكن والدته تمادت في التطاول بكلمات جارحة بلا أسباب وبنبرات حادة في حقي وحق والدتي, فخلعت دبلتي وأنا ثائرة, وعندما علم خطيبي بما حدث, جاء في اجازة طارئة, واتفق معي علي تجنيب والدته في كل ما يدور بيننا, وقال لي أنها لن تتدخل في أي شيء يخصنا فإذا وجدت كلمة حسنة في مناسبة ما ستقولها, واذا لم تجد لن تتحدث معنا. وخشيت ان تزوجته علي هذا الوضع أن أغضب ربي, فاتصلت بدار الافتاء, ورويت لهم ما حدث بالتفصيل, وأفتوني بأن زيجتي اذا تمت علي هذا الوضع صحيحة ما دام أبي وخطيبي علي اتفاق, وأشاروا علي بأن أسأل علي والدته في المناسبات لكي لا تحدث قطيعة بيننا, فلم انتظر مناسبة واتصلت بها علي الفور فردت علي باقتضاب, فلم اتضايق, وقلت في نفسي: يكفيني أن خطيبي بجانبي يؤازرني ويساندني في مواجهة تعنت والدته. وفي أحد اتصالاته مع والدي أبلغه أنه سيأخذ إجازة, وسيأتي لزيارتنا وحدد له موعدا للقاء.. ورحت أترقب وصوله, وداومت علي محادثته هاتفيا, وفي الموعد المحدد لزيارته دق جرس التليفون فاذا بوالدته تبلغني بأنه لن يستطيع الحضور ثم تعتذر لي عن عدم استطاعته تكملة زيجتنا! لم أصدق ما سمعت وإهتز توازني, واصطدمت بالحائط بعد أن فقدت وعيي كمن صدمته سيارة, فأي ذنب اقترفت لتكون هذه هي حياتي وما هي الأسباب التي دفعتهم الي كتم آخر أنفاس فتاة لم تفعل معهم إلا كل خير؟!.. وأين هو الرجل الذي وعدني بحل المشكلات وتذليل العقبات؟! لقد انتهي كل شيء بين ليلة وضحاها, ومازلت أحتسب ما أنا فيه عند الله سبحانه وتعالي, ولكن قل لي يا سيدي: هل كان بيدي شيء لم أفعله؟ وكيف أواجه الحياة بعد اصابتي بالحزن والاحباط مما حدث؟ ولماذا تتدخل بعض الأمهات في حياة أبنائها إلي هذا الحد القاتل؟ وأقول لكاتبة هذه الرسالة: ومن الحرص ما قتل فوالدة خطيبك السابق تتصور خطأ أنها تعمل لمصلحته, بينما هي تتحرك ضده, وتري أن عروسه أو زوجته فيما بعد سوف تخطفه منها ولذلك تناصبها العداء وتبذل قصاري جهدها للخلاص منها, وهي بهذا التصور الأحمق الذي أعتقد أنه يسيطر علي عقول الكثيرات من الحماوات ترتكب جرما في حقه بالاصرار علي التدخل في حياته الي حد تدميرها, وهذا السلوك غير السوي اذا استمرت عليه لن تستقر له زيجة, فالأحمق يصعب توجيهه ويكون دائما مندفعا الي ما يصوره له عقله أنه صواب, وأن الآخرين علي خطأ لدرجة أن نبي الله عيسي عليه السلام قال: عالجت الأكمه والأبرص فأبرأتهما وعالجت الأحمق فأعياني, والمعني أن الأحمق كثير الجدال في أمور واضحة وينتهي الأمر معه دائما بألا تأخذ منه حقا ولا باطلا, وفي ذلك يقول الشاعر: لكل داء دواء يستطب به إلا الحماقة أعيت من يداويها
أما خطيبك السابق فهو رجل غامض مشوش الأفكار لم يستقر علي حال, يقول لك كلاما ويفعل عكسه, ويجري مع والدك اتفاقات ثم ينقضها, وهو ضد أمه من ورائها, فإذا واجهته أصبح معها ومؤيدا لها.. ولذلك كان طبيعيا أن يتفق مع والدك علي شيء ثم ينفذ شيئا آخر, وقد عدل عن زيارتكم في آخر لحظة, واذا كانت والدته قد أخبرته بما يجعله يغير موقفه منك, فلماذا لم يلتق بك ويشرح لك الملابسات التي تحيط بزواجه منك, فربما توصلتما إلي حل, او أن يذهب كل منكما الي حاله وهو يعرف نقاط الخلاف التي أدت الي فشل الزيجة, فتهدأ النفوس وترتاح الضمائر, فالمكاشفة هي الحل الناجع للمشكلات التي لا يخلو منها بيت.. أما طمسها او محاولة التغطية عليها, فانها تجعلها كالنار تحت الرماد من الممكن ان تشتعل في أي لحظة, ولذلك فإن اتفاق خطيبك السابق علي تحييد أمه لم يكن حلا, حتي وإن بدا كذلك! وأقول لك.. من فضل الله عليك أن هذه الزيجة لم تكتمل لأنك كنت ستعيشين حياتك كلها في نكد, فالجواب باين من عنوانه كما يقولون, ولعل نقاء سريرتك واخلاصك وسعيك لمعرفة موقفك في ضوء الشرع والدين اذا أقدمت علي الزواج منه بعيدا عن والدته.. هذا الموقف منها هو برغم كل ما فعلته معك كان طوق النجاة لك.. وهكذا يكون حال كل من يفوض أمره الي الله ويتوكل عليه وينتظر الفرج منه, فحينما يطمئن الي أنه يرضي ربه, ويرجو ثوابه, فإنه عز وجل يتولاه بالرعاية والنصر, ويكون حسبه ووكيله. لقد صبرت علي الاساءات التي تعرضت لها بغير ذنب ولم تحيدي عن المباديء القويمة التي تربيت عليها, وصنيعك هذا كفيل بأن يريح قلبك, ويجعلك تثقين في أن هدية السماء لك ستكون عظيمة بزوج صالح يخاف الله.. فقط عليك عدم الانشغال بالماضي واجترار مواقف والدة خطيبك السابق, اذ لن يفيدك ذلك في شيء, والمهم أن تطوي هذه الصفحة من حياتك, وأن تفتحي صفحة جديدة صافية من الشوائب واحمدي ربك أنه أنقذك في الوقت المناسب, وانسي هذه التجربة بآلامها وأحزانها, وتطلعي الي زيجة ناجحة تحقق لك الاستقرار النفسي والوفاق الأسري.. والله المستعان.