انتفض الجميع, وامتلأت الدنيا بالصراخ, حول فيلم' براءة المسلمين' أو الفيلم الذي يعرف إعلاميا ب' الفيلم المسيء للرسول' وخرجت علينا العديد من الآراء, المنددة والتي تطالب بمنع عرضه في السينمات الأمريكية و الأوروبية, وحمل عدد كبير أمريكا وزر ذلك الفيلم, بل ذهب البعض بخياله الي ضرورة مقاطعة السينما الأمريكية,وأشار عدد من المبدعين في تصريحاتهم النارية عبرالصحافة ومداخلاتهم علي القنوات الفضائية إلي محاربة الفن بالفن, ولم يتوقف أحدهم للحظة ليتساءل هل هذا فن؟ هل ما شاهدناه من لقطات متراصة يطلق عليه سينما ؟ ولماذا يتم تحميل السينما فتنة لا ذنب لها فيه؟ وفي مقابل تلك المشاهد المتراصة, نجح المسلمون في تقديم العديد من المشاهد المجانية لصور من العنف اللا متناهي تناقلتها وكالات الأنباء والفضائيات العالمية لترسخ صورة واحدة تتعلق بوحشية المسلمين وعنفهم, وهي الصور التي سيتم تداولها لفترة طويلة, ولم يدرك صانعو هذه المشاهد حجم الخطأ الذي ارتكبوه في محاولتهم للدفاع عن الرسول, وكيف تم استدراج الأغلبية بما فيهم بعض رموز النخب السياسية والدينية إلي فخ الحديث عن لقطات ليست متواضعة فحسب متواضعة بل أقل مايمكن أن توصف به بأنها تافهة. المخرج الكبير داود عبدالسيد من أوائل المبدعين الذين التفتوا لذلك حيث قال متسائلا: هل ما عرض يندرج تحت مسمي سينما لنرد عليه بفيلم مماثل؟ وظني ما عرض لن يغير في أفكار الناس ومعتقداتهم علي العكس تماما أغلب من شاهدوا ذلك العمل وصفوه بالتفاهة وبأنه أقل من أن يسئ إلي شخص الرسول الكريم محمد عليه السلام. من جانبه يري المخرج خالد يوسف أن هذا ليس بفيلم بل هو عمل حقير قائم علي تصفية الحسابات, والأعمال التي تبني علي هذا المنطق مصيرها الي سلة القمامة, وأحيانا يتحول العمل الإبداعي الي مجرد جسم لجريمة مثلما حدث مع رواية الأديب الكبير نجيب محفوظ أولاد حارتنا التي اتهمت بمهاجمة الإسلام وبالتدريج أصبح الاتهام وحده هو الحقيقة لدرجة أن النص نفسه فقد أهميته وبات غير موجود لفترة طويلة من الزمن, ولكن ما حدث مع هذا الشيء الذي يقال إنه يسيء إلي النبي محمد صلي الله عليه وسلم هو أدني من أن يسيء الي سيد العالمين, وعلي العكس تماما حيث تحول من عمل تافه بكل ما تحمله الكلمة من معني الي فيلم أصبح حديث العالم كله فاتفقت وتمحورت جميع التعليقات في العالم الغربي حول مبدأ واحد وهو احترام حرية التعبير وعدم المساس بها ولكن رفض استخدامها في الهجوم علي الإيمان ومعتقدات الشعوب, أما في العالم الاسلامي فانحصرت التعليقات ما بين رفض مواجهة الإساءة بالإرهاب والقتل كما حدث مع السفير الأمريكي ببنغازي في ليبيا, وضرورة مواجهة ما حدث بتقديم أعمال فنية ترد علي الفيلم, هذا إذا اعتبرنا أن هذا الشيء يندرج تحت مسمي عمل فني أصلا. ولكن إذا فكرنا قليلا وأعدنا تقييم الموقف من وجهة نظر الإبداع المجردة سنجد أن الموقفين كلاهما خاطئ لأن ما حدث لا يقع بكل تأكيد تحت مظلة حرية الإبداع, ولا يمكن تصنيفه كعمل فني من الأساس, لأنه لا مكان للحقد في عالم الفن, فالكاتب أو المخرج الذي يصنع فيلما ليصفي حساباته سواء كانت شخصية أو أيديولوجية محكوم عليه بالإخفاق الجمالي الكلي والمؤكد وبالتالي يصبح شيئا آخر لا علاقة له بالفن والإبداع ولا يمكن تناوله والحديث عنه باعتباره عملا فنيا يستوجب الرد عليه بعمل فني آخر كما يطالب المثقفون في الدول الإسلامية خصوصا وإننا حتي الآن لم ندرك حجم الاختلاف الثقافي بيننا وبين الآخر, وأن الحضارة الغربية في تعاملها مع المقدسات والتابوهات تختلف كثيرا عن تعاطي مجتمعاتنا الشرقية والعربية معه, فما أكثر ما قدم من أعمال تحمل إساءة للمسيح عليه السلام, ولكن في النهاية هناك وعي في تلقي تلك الأعمال وهي بكل حال من الأحوال لم تنل من شخصية المسيح, والرسول الكريم في سيرته الشريفة أبدا لم يكن يرد الإساءة بالإساءة حتي من أقرب المقربين منه, ومنهم عمه أبو جهل, ولكننا قررنا نحن أن نرد علي التطرف بتطرف أكثر منه, وللأسف وكأننا لم نر في سيرة الرسول الكريم ما يجعلنا نسير علي خطاه. هذا الحجم من العنف في الأفعال أو الآراء, يجعلنا نتساءل: عن حتمية الأعمال الفنية المستنيرة ؟ والتي وللأسف نقابلها أيضا بتطرف في الآراء, من منا لا يتذكر فيلم الرسالة والمعارك الدامية التي خاضها المخرج الكبير الراحل مصطفي العقاد, وكيف عاني الفيلم من المنع والرفض في الدول العربية, رغم أنه كان يقدم السيرة السمحة للرسول الكريم وللأسف تم التصريح بعرضه في مصر بعد أكثر من20 عاما علي إنتاجه, وهو ماشدد عليه الكاتب بشير الديك والذي قال إنه يجب أن يعاد النظر في طريقة نظرة الدين للفن الحقيقي وتحديدا مجموعة الممنوعات التي وضعها بعض الشيوخ وتحرم الاقتراب من كل ماهو مستنير.