ولد في الرابع من يوليو.. بلاتون.. كنا جنودا.. وغيرها من أفلام الحرب الأمريكية عكست صورة منقوصة عن فيتنام, فبدت كما لو كانت ميدانا بدائيا للقتال والحرب يحيط به الدمار من كل اتجاه. ولكن بعيدا عن منظور الحرب الأمريكية لهذه الدولة الأسيوية, فإن فيتنام بالنسبة للكثيرين لا تزال لغزا يكتنفه الغموض. فلا أحد يعلم كيف نهضت من كبوة قرابة ثلاثين عاما من الحروب, أو كيف أنها نجحت في غضون سنوات محدودة في التحول إلي قوة اقتصادية ناشئة تسير بخطي بطيئة ولكن ثابتة في محاولة للحاق بصفوف الكبار في القارة. فقد نشبت الحرب بين القوي الشيوعية الفيتنامية والاحتلال الفرنسي منذ أربعينيات القرن الماضي وانتهت في عام 1954 بانتصار الشيوعيين, لتنقسم فيتنام إلي شطرين; شمالي شيوعي وجنوبي موالي لأمريكا تفصلهما منطقة منزوعة السلاح. ولكن هذا التعايش السلمي لم يستغرق طويلا فسرعان ما اندلعت الحرب مجددا بانتهاك الشيوعيين لكل المعاهدات المبرمة بين الشطرين في 1965 وتصاعدت حدتها بالتدخل الأمريكي, ولم تنته إلا بحلول عام 1975, حيث نجح الشيوعيون في السيطرة علي مدينة سايجون عاصمة فيتنام الجنوبية آنذاك. لتضع الحرب أوزارها معلنة الهزيمة النكراء للولايات المتحدة التي تكبدت خسائر بشرية فادحة بلغت نحو 58 ألف جندي أمريكي قتلوا أو فقدوا علي الأراضي الفيتنامية. أما الخاسر الأكبر فكان الفيتناميون الذين فقدوا نحو 4 ملايين مدني, بخلاف 12 مليون لاجئ توزعوا علي دول الجوار إبان سنوات الحرب. وعلي الرغم من هذا التاريخ الدامي, فإن الفيتناميين رفضوا الاستسلام لحالة الدمار التي خلفتها عقود الحرب. لتبدأ النهضة الاقتصادية في هذه الدولة الأسيوية الفقيرة في بداية الثمانينات من القرن الماضي. فعلي الرغم من سيطرة الحزب الشيوعي علي الحكم إلا أنه لم يجد بدا من فتح الباب أمام القطاع الخاص للعمل بحرية, بل محاولة تطبيق الإصلاحات الاقتصادية اللازمة لضمان اللحاق بقطار الاقتصاديات الأسيوية الكبري. وهو ما فتح الباب أمام المزيد من الاستثمارات الأجنبية, وتحولت الولاياتالمتحدة في غضون أعوام قليلة إلي أكبر شريك تجاري لفيتنام. وعلي الرغم من اعتماد فيتنام في مسيرتها نحو النمو الاقتصادي علي ثروتها الرئيسية وهي الزراعة, فإن هذا لا يمنع أنها عجزت حتي الآن في تقليص الفجوة الكبيرة في الدخل بين الريف والمدينة. إن التجربة الفيتنامية تحمل بالتأكيد الكثير من الدروس للدول التي مازالت تتحسس طريقها نحو النمو الاقتصادي. فهي تثبت أن كل نظام قادر علي تحقيق النمو حتي ولو دفعه ذلك للمرونة وربما التنازل عن بعض مبادئه التي لا تتناسب مع المتطلبات الاقتصادية في العصر الحديث. وبالطبع لا يمكن تحقيق مثل هذا التقدم بدون دعم وجهد شعبي حقيقي.