بعد أن توغل الفيسيوك فى حياة الإنسان المعاصر بأكثر مما وصلت إليه قصص الخيال العلمي، يتأهب الآن لتنظيم معاملات البشر المالية. هذا ماسيتم بموجب »ليبرا«، العملة النقدية الإلكترونية التى أعلن الفيسبوك عنها أخيرا. وإذا كان عدد مستخدمى الفيسبوك نحو مليارى وأربعمائة مليون شخص حول العالم، فإن هدف الفيسبوك فى هذه اللحظة تحويل هؤلاء إلى مستخدمين دائمين للعملة النقدية الجديدة. ستدخل »ليبرا«، وقيمتها نحو دولار أمريكي، سلة النقود العالمية. وتتولى مؤسسة جديدة، اسمها اتحاد الليبرا، ومقرها جنيف فى سويسرا الإشراف عليها. ويمكن لمؤسسات أخرى الاستثمار فيها بحد أدنى عشرة ملايين دولار، علما بأن هناك بالفعل حتى الآن ثمانية وعشرين كيانا مشاركا من بينها أوبر وماستركارد. أما المتعاملون بها فسيجدون كل سهولة فى تداولها، فما عليهم سوى إنزال تطبيق على هواتفهم المحمولة اسمه »كاليبرا«، ذراع آخر للفيسبوك مثل ماسنجر وواتسآب. وهكذا على غرار الشبكة الاجتماعية، ستكون هناك شبكة مالية، ثم تندمج الشبكتان لاحقا ليصيرا كيانا واحدا يستطيع أى إنسان فى أى مكان أن يتبادل من خلاله مع طرف آخر النقود، مجانا ودون اللجوء إلى البنوك أو المؤسسات الحكومية، وبالسهولة ذاتها التى يستطيع بها نشر صوره العائلية وآرائه الشخصية. ورغم أن »ليبرا« ليست الأولى من نوعها كعملة اليكترونية، إلا أن نبأ إصدارها يثير الهواجس والتساؤلات، وكأن الفيسبوك الذى أصبح على دراية تامة بتوجهات الناس الدينية والاجتماعية والسياسية وصار مطلعا على أدق تفاصيل حياتهم اليومية، ينقصه الآن أن يتدخل فى معاملاتهم المالية. وإذا أخذنا فى الأعتبار ماأثير خلال السنوات الثلاث الماضية حول انتهاك الفيسبوك للبيانات الشخصية لمستخدميه، فلنا أن نتساءل بأى منطق يمكننا أن نأتمن الفيسبوك على معاملاتنا النقدية؟ المتشككون يتساءلون عن الآثار السلبية للتعامل ب»ليبرا« من إضرار بالنظم المالية الحالية وإمكان استخدامها فى غسيل الأموال أو تمويل عمليات مشبوهة. لايستبعد البعض أن تكتسب »ليبرا« قوة مع الوقت لتحل محل العملات المحلية، لاسيما فى الدول ذات الاقتصاديات الهشة. ورغم أن تداولها سيكون مجانا، فإن التوسع فى استخدامها فى جميع المعاملات اليومية بين الناس على مستوى العالم، سيزيد من قوتها، وسيعطى بالتالى هيمنة لايستهان بها للمؤسسات العملاقة التى تقف وراءها.