كانت ليلة من ليالى العمر، قضاها العروسان عماد ونهى الجمعة الماضى باستاد القاهرة، بدأت من الرابعة عصرا، حين دخلا باب بأناقة واحترام وتهاديا إلى المكان المخصص فى الدرجة الثالثة يمين، كانت العروس أكثر غراما بالمشهد الذى رأته لأول مرة، تهتف وتغنى وتلوح بعلم مصر وسط جماهير من آباء وأمهات وأطفال وشباب، وحين دخل المساء وأضيئت أنوار الليزر وأعطى الرئيس إشارة البدء مرحبا بكل أبناء إفريقيا فى وطنهم الثانى، وأطلقت الألعاب النارية وصدحت الموسيقى وجاءها صوت حكيم الذى تعشقه: متجمعين، على حب الخير متجمعين، العالم عارف احنا مين نلعب مع بعض وفى الآخر كلنا فايزين، ورأت العروس أرض الملعب وهى تتحول من غابات إلى نيل، تحكى فصولا من تاريخ مصر وإفريقيا، ظلت مأخوذة بالمشهد حتى اختفت ألعاب الليزر وعادت نجيلة الملعب الخضراء، ونزل الفريق المصرى بالأحمر، ومعه الفريق الأسمر بالأصفر، وأعطاها العريس علبة العصير وطلب منها الدعاء لمنتخبنا بالفوز أربعة صفر، سألته العروس مندهشة: هو من الذى يلعب اليوم؟ فقال لها باستغراب: ألا تعرفى زيمبابوى؟.. فقلبت ظهر التذكرة وقالت قرأتها، فقال لها: زيمبابوى دى سنة 2005 كنا فايزين وبعدين واحد ألقى طوبة، وأصيب مدربهم ونزفت دماؤه فى أرض الملعب، وأعيدت المباراة فى فرنسا، فقالت: وحلت عدالة السماء وفازوا!.. فعلا صوته وهو يشعر بحرقة دمه والثأر الذى يحمله منذ كان فى السادسة عشرة من عمره، وصرخ: اليوم لازم ننتقم لتجنب بطل المجموعة الثالثة، لنأخذ بالثأر، ونضمن صدارة المجموعة، فشردت العروس وقالت دم وثأر, أليست هذه احتفالية للبهجة وفى الآخر كلنا فايزين؟، فقال لها العريس: آه دا فى الأغانى لكن لازم وحتما فقانون كرة القدم لا يعترف إلا بال .. فقاطعته العروس بعد أن شاهدت انفعاله وخروجه عن التركيز فى مشاهدة المباراة: لا تتعب نفسك يا حبيبى أنا ماليش فى الكورة..!. بقدر ما ساعدته صراحتها على التركيز فى المباراة واللمسات الساحرة التى يقدمها فريقنا وصانع السعادة محمد صلاح، وحسرات الجماهيرعلى كل فرصة ضائعة ثم صيحات الإعجاب والآهات.. والله.. التى هزت القلوب فى الدقيقة 41 حين أحرز تريزيجيه الهدف الأول لمصر، لكنه ورغم اقتناعه وسعادته ببراءتها لم يرحه جهلها التام بقواعد اللعبة، واعتبرها مسؤلتيه ليكتمل التفاهم والانسجام بينهما، فلابد أن يشرح لها أنه عاشق لمصر والمنتخب وليس له فى التعصب للأهلى أو للزمالك، وأن نجاح هذا المهرجان الإفريقى الذى يعكس مكانة مصر وريادتها ويتوج رئاستها السياسة للاتحاد الإفريقى سيكتمل حين تنجح مصر بالفوز بالبطولة للمرة الثامنة، وتستطيع تنظيم بطولات عالمية مثل السوبر الأوروبى وكأس العالم، كما أننا أصحاب الرقم القياسى فى الفوز بالبطولة القارية 7 مرات، وصلنا كأس العالم 90 على يد الكابتن الجوهرى، وبعده جاء منتخب حسن شحاتة، الحارس المعجزة عصام الحضرى والصقر أحمد حسن والجبل وائل جمعة والموهوب أحمد حسام والساحر محمد زيدان صاحب تمريرتين ببطولتين الأولى فى 2008 والثانية لجدو فى 2010، والمبدع محمد عبدالوهاب، فقاطعته نهى: معقول محمد عبد الوهاب بتاع النهر الخالد وغزل البنات.. وقبل أن يخرج من هدومه كان الحكم قد أطلق صافرة نهاية المباراة بالفوز واحد فقط على زيمبابوى، فراح عماد يقنع نفسه: بأن الأهم الفوز وهذه طبيعة مباريات الافتتاح، وكويس أنهم لم يخطفوا نقطة، فقالت له نهى:غريبة إنك رضيت بالمقسوم، كم مرة اتهمت المدرب بالجهل وصرخت فيه: واحد مش كفاية، لازم صدارة المجموعة يا غ....، فقاطعها ضاحكا كل واحد من الجماهير بيعتبر نفسه مدربا ومسئولا عن المنتخب، ولازم نثبت للعالم أننا قد التحدى، ثم أضاف:هل تعرفى أن مصر لم تطلب تنظيم البطولة لإنقاذ موقف أو لانتهاز فرصة، لكننا انتزعنا موافقة الاتحاد الإفريقى على التنظيم بأغلبية 16 صوتا ضد صوت واحد لجنوب إفريقيا رغم جاهزية ملاعبها التى استضافت كأس العالم فى 2010، يومها لم يصوت لنا أحد، لكن مصر الجديدة تختلف، وضعت أصابعها الرقيقة على فمه فقبلها وهدأ، فسارعت لمساعدة مجموعة من الشباب فى تنظيف المدرج وجمع علب الكانز والأوراق وزجاجات المياه، وقالت له عاوزة أصارحك بحاجة يا حبيبى.. أنا مستعدة نروح سوا كل مباراة، لكن فيه حاجة لا أفهمها، فقال لها وهو يضع أكياس المخلفات فى صندوق أكبر، إيه الحاجة دى يا حبيبتى فقالت: يعنى إيه نتصدر المجموعة التى كنت تصرخ بها طول الماتش؟ ابتسم مودى وهو يكتم غيظه وسأل عروسه الجميلة بضحكة ساخرة: هل تعرفى يعنى إيه كرة قدم يا حبيبتى؟ فقالت له ببراءة: كتلة من الجلد يجرى وراءها فريقان وتتسابق 22 قدما للفريق الأحمرعلى ركلها فى داخل مرمى الفريق الأصفر!. لمزيد من مقالات ◀ أنور عبد اللطيف