صدر أخيرا مؤلف بعنوان «ليل سوريا الطويل: عشر سنوات من الدبلوماسية العاجزة» لسفير فرنسا السابق بسوريا «ميشيل ديكلو» الذى يقيم الملف السورى ككارثة وهزيمة مزدوجة للغرب وللمفاوضات المتعددة الأطراف يؤكد السفير ديكلو فى كتابه عن دار «لوبسيرفاتوار» أن سوريا ثماني سنوات عقب أمواج العصيان والاضطرابات حصدت خمسمائة ألف من الأموات وسبعة ملايين مهاجر هربوا من البلاد واستقروا فى مخيمات دول الجوار و1.5 مليون عاجز وستة ملايين سورى فى حالة شتات داخلى و80 ألف محتجز. ويتساءل هل هو انتصار للأسد؟ ويصفه بأنه نصر سلبى بالتأكيد مادام أن النظام البعثى انجرف وأن حماة هذا النظام والجبناء فى الغرب هم الذين سمحوا لهذا النظام أن يتعايش ثم أن ينتصر على الثورة وإنما هذا النصر غير كامل وشديد الهشاشة من الداخل بسبب إرهاصات الفتنة والتمرد الذى يحمله! وعلى المستوى الإقليمى فإن المنتصر الحقيقى هو إيران التى حققت حلمها القديم بالاقتراب من المتوسط. فى حين أن إسرائيل لا تقبل ذلك وفى حين أن روسيا تبحث عن وسيلة لتحديد مكاسب طهران.. وتركيا لم تقل كلمتها الأخيرة.. ويستطرد المحلل أن روسيا قد وصلت إلى أهدافها من خلال «امكانيات محدودة» كما أن بوتين جيوبوليتيكيا يتمتع بثقل كبير فى منطقة الشرق الأوسط إلى الحد الذى يرى المراقبون بأن الخليفة الشرعى للولايات المتحدة فى دور الوسيط بالنسبة للصراعات بين دول المنطقة هو روسيا وبالذات لأن هناك توجها عاما لانسحاب الولاياتالمتحدة من المنطقة التى أوجدت فراغاً استراتيجيا نسبيا انغمست فيه روسيا، ويسرد الكاتب تراجع الغرب فى سوريا الذى نتج عنه اغتيالات إرهابية وتدفق اللاجئين والهزات السياسية التى حدثت فى أوروبا الوسطى وايطاليا، ويستطرد ميشيل ديكلو أن هناك صلات وثيقة بين قادة الكرملين ونظام دمشق. ويشير الخبير الدبلوماسى إلى إن روسيا انزلقت فى أقذر الحروب كما فعلت فى الشيشان بدون أى اعتبار لحقوق الإنسان ويصف تراجع الغرب بأنه هزيمة حقيقية لأنه أعطى ميزة جيوبوليتيكية لكل من روسياوإيران وتسبب فى صعود اليمين المتطرف فى القارة العجوز ويبرهن «ديكلو» كيف أن الأولوية التى يعطيها كل المتسلطين للتراجع القومى يهدد مكتسبات التعاون الدولى بشأن مصير الاتفاقية النووية مع إيران واتفاقية التغير المناخى وإعادة النظر فى اتفاقيات نزع السلاح بين روسياوالولاياتالمتحدة واطلاق حرب تجارية من قبل ترامب والأزمة الحالية للاتحاد الأوروبى. ويشدد المحلل على أن بوتين يدير بقية الصراع السورى مع اردوغان ونيتانياهو وإيران. يكتسب كتاب السفير «ميشيل ديكلو» أهمية بالغة لبراعة التحليل المستندة على معلومات لم تنشر بعد ويكشف كيف أن الصراع السورى قد تسبب فى تقوية وتعزيز «السلطاويين» الجدد أو المسيطرين! ويحذر الكاتب من مخاطر استراتيجية الضغط ثم التدخل العسكرى لفلاديمير بوتين الذى يبدو كنموذج لإستراتيجية تتحرك وتحتمل النجاح. فى حين أن الغرب والأمريكان قد تجاهلوا أن رهان الصراع السورى يتجاوز سوريا ولم يفهموا بأنهم عندما يخفضون الاهتمام بالمربعات الخاصة بالمسرح العالمى الكبير فإنهم يضعفون موقفهم ويشجعون منافسيهم الاستراتيجيين على استئناف سياسة المواجهة. إن كتاب «ليل سوريا الطويل، مرجع مهم لأنه يشرح بإمعان لماذا فشلت التسوية السياسية للحرب فى سوريا ويحلل مواقف الدول العربية ويكشف النقاب عن عشر سنوات من الدبلوماسية العاجزة للملف السورى ويجيب على أسباب الكارثة السورية وهو مرشد ودليل مهم لصناع القرار فى منطقتنا العربية!. لمزيد من مقالات عائشة عبدالغفار