لا أمِل التذكير بالخلل الثقافى والدينى والاجتماعى الذى تبرزه ظاهرة (النأى بالنفس) أو الإعراض عن أو مخاصمة إقامة التماثيل والنصب التذكارى فى مصر، وهى ظاهرة ارتبطت بالتطرف الدينى وفقه الجمود والرجعية الذى أشاع لسنوات فكرة حرمانية التماثيل والنحت تأثرا بتوجهات الإخوان وبعض الاتجاهات السائدة فى دول الخليج التى قصدها المصريون فى هجرات مؤقتة وعادوا إلى مصر محملين بثقافة لا تمثلنا، وعلى رأس عناصر تلك الثقافة الامتناع عن إقامة التماثيل أو رعاية النحت، ولقد ذكرت أمثلة عديدة عن عدم إقامة تماثيل جديدة فى مصر إلا داخل أسوار كالتماثيل فى دار الأوبرا أو فى الحديقة الملاصقة لنادى القاهرة أو ساحة بانوراما حرب أكتوبر فضلا عن محاولة خجولة لمحافظ الجيزة الأسبق لإقامة تماثيل فى أماكن مفتوحة سواء لنجيب محفوظ أو لطه حسين أو لأحمد شوقى، كما عددت العمليات الإجرامية المتطرفة لتشويه التماثيل إبان حكم الإخوان ومنها كسوة تمثال السيدة أم كلثوم فى المنصورة بملابس داخلية، وكتابة أنصار عبدالمنعم الشحات بالألوان على التمثال الجميل فى مدخل لسان السلسلة فى الأسكندرية، كما كتبت عن قيام بعض الأجهزة المحلية بوضع تكوينات عجيبة بدلا من التماثيل فى ميادين المدن الجديدة مثل قلم حبر، أو جيتار أو مجموعة من النخل البلاستيك الفاسد الذوق ومحاولات العصرية والتحديث التى واجهت صعوبة فى البداية إلى أن شارفت الآن تطبيع العلاقة بين (تخطيط المدن) و(الفنون الجميلة).. وأنا أستعجب للغاية من عدم وجود نصب تذكارى لحرب الإرهاب يخلد بطولات الجيش ويلهم الأجيال الجديدة، كما أندهش من عدم وجود نصب لثورة 30يونيو العظمى أو غيرها من الأحداث الوطنية، بدلا من النخل البلاستيك وتماثيل القلم الحبر والجيتار، ولقد لاحظت أخيرا بعد كتابتى لمرات عن تلك الظاهرة أن البيروقراطية والرجعية فى المحليات قامت بتزويق قواعد تلك التماثيل بالألواح الرخامية والزلط الملون بينما تركوا أقلام الحبر والنخل البلاستيك كما هى، وطبعا قبل أن يحدثنى أحد عن التكاليف الباهظة لصب تماثيل من البرونز أنبه من شاء أن يتنبه أن النحت فى كتل الحجر مباشرة وبواسطة فنانين عالميين كما كان يحدث فى السمبوزيوم الثقافى بأسوان هو الحل.. أفيقوا.. لمزيد من مقالات د. عمرو عبدالسميع