مازلت أتساءل كلما أتيح لى ذلك عن جدوى غياب النحوت والتماثيل عن المدن المصرية، كانت مصر تزخر بتماثيل رائعة تضاهى العواصم الأوروبية لشخوص الزعماء ومواضيع النهضة وتخليد ذكرى معارك الوطن الكبرى، وكنا نرسل الطلاب الفنانين إلى الخارج لدراسة هذا الفن الرفيع مثل محمود مختار والسجينى وصلاح عبدالكريم وآدم حنين وزواج بعض الفنانين بين أعمالهم الرائعة فى التصوير الزيتى وبين نحوتاتهم ثقيلة الإضافة مثل عمر النجدى، وظهر نحاتون فطريون علامات مثل عبدالبديع عاشق البازلت، ولكن هذا كله تراجع فى هرولة تحت ضغوط أفكار تحريم النحت التى كانت أبرز تجلياتها المرعبة فى شخبطة السلفيين على تمثال فتحى محمود الجميل فى مدخل لسان السلسلة فى الإسكندرية، أو فى وضع ملابس على تمثال أم كلثوم فى المنصورة لستر ما يراه الجامدون المتطرفون عورة، وكان ذلك كله إبان ظهورهم الأوضح فى عملية يناير عام 1102.. تراجع الاهتمام بالنحت حتى كاد هذا الفن الخطير يتلاشى، وصرنا نرى أعاجيب مثل تزيين الميادين بتمثال لجيتار أو آخر لقلم حبر، أو أى شىء آخر ليس فيه تشخيص، وتراجع وتآكل الاهتمام بالنحت فى مصر إلا من بعض تماثيل مرتبكة الأبعاد مثل تماثيل نجيب محفوظ وطه حسين وأحمد شوقى ومحمد عبدالوهاب، وربما كان أفضل التماثيل المصرية المعاصرة هو تمثال الجنود فى قارب المطاط فى أثناء عبور قناة السويس 3791، وهو موجود فى ساحة بانوراما أكتوبر فى شارع صلاح سالم، ولكنه موجود فى النهاية داخل أسوار لحمايته أو لتوقى أمواج الجهالة، وأنا لا أعرف إذا كان هذا الوضع المزعج سيستمر فى العاصمة الإدارية الجديدة!. وأعرف أن مصر شهدت فى سمبوزيوم أسوان على يد وزير الثقافة الفريد فاروق حسنى، إسهاما عالميا كبيرا فى النحت المفتوح فى الهواء الطلق أثمر عشرات التماثيل الرائعة، ويمكن تكرار هذه التجربة فى مناطق مصر كلها، إذا رفعت طلائع المقاومين للنحت فى وجوهنا فكرة أن النحت مكلف جدا، فالنحت فى الصخور الطبيعية فى مناسبات مثل «السمبوزيوم» لا تكلف البلد شيئا كتكلفة صب التماثيل التقليدية بالبرونز، المهم أن هذه الدولة أمام سؤال كبير هو هل تعود متحضرة بلا عقود ولا أوهام.. هل تعود فنانة مبدعة، أم تظل خاضعة للفكر المتخلف ؟. لمزيد من مقالات د. عمرو عبدالسميع